كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

وشمولها من بين الخافقين، وأنه مقامًا. وذلك أنه أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع ومشفع، وهو صاحب اللواء المحمود، وصاحب الحوض المورود، وأقسم الله بحياته، ولم يخاطبه في القرآن باسمه ولا كنيته، بل دعاه باسم النبوة والرسالة، واصطفاه بذلك على الجماعة.
فأما شرف أهله، فأول ذلك أن إبراهيم صلوات الله عليه لما أخذ في بناء البيت، دعا الله تعالى أن يجعل ذلك البلد آمنًا، ويجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ويرزقهم من الثمرات والطيبات، ثم قال:} ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم {فاستجاب الله دعاءه بنبينا صلوات الله عليه، وجعل الرسول الذي سأله إبراهيم صلوات الله عليه ودعاءه أن يبعثه إلى أهل مكة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا دعوة أبي إبراهيم).
وروى العرباض بن سارية السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني عبد الله في أم الكتاب بخاتم النبيين، وأن آدم لمجدل في طينته، وسوف انبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نورًا أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين). فيحتمل هذا الحديث أن يكون قضى الله تعالى بأنه خاتم النبيين سبق خلقه، وكان قبل أن يكون أبو البشر، وأول الأنبياء صلوات الله عليهم، وأما قوله سأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم، فيحتمل أن يكون معناه أن الله تعالى لما قضى بأن يجعل محمدًا خاتم النبيين. وأثبت ذلك في أم الكتاب أنجز هذا القضاء بأن قبض إبراهيم الدعاء الذي ذكرنا ليكون إرساله إياه بدعائه كما تكون نقلته من صلبه إلى مكة أولاده أمام عيسى صلوات الله عليه. فبشر به قومه فعرفه بنو إسرائيل قبل أن يخلق، وأرى أمه أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، ليدلها ذلك، على أنها تلد ولدًا تضيء بهداه الأرض، ويخرج به الناس من الظلمات إلى النور والله أعلم.

الصفحة 46