كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)
لقومه: {إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين. فقالوا على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين {وقال في قصة موسى صلوات الله عليه.} قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما، ادخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين {. وقال حكاية عن رسل قالوا لقومهم:} إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون، وما لنا إلا أن نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون {.
وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله عز وجل والثقة بحسن النظر فيما أمر به وأباحه، واحده من وكل يكل، إلا أنه يقال: وكل الأمر إلى فلان وقد توكل على الله. لأن المعنى يحمل ذلك ويكله اعتمادًا على الله جل ثناؤه وهو من باب الاختصار. واختلف أهل المصائر في ذلك. فقال قائلون:
التوكل الصحيح ما كان من قطع الأسباب، فإذا جاء السبب إلى المراد ارتفع التوكل وقال آخرون: كل أمر بين الله تعالى لعباده فيه طريقًا ليسلكوه إذا عرض لهم والتوكل يقع منهم في سلوك تلك السبيل والتسبب به إلى المراد، فإن فعلوا ذلك متوكلين على الله في أن ينجح سعيهم ويبلغهم مرادهم كانوا آتين الأمر من بابه، ومن جرد التوكل عن السبب بما جعله الله سببًا، فلم يفعل ما أمر به ولم يأت الأمر من بابه واحتج الأولون بالآيات المطلقة التي فيها أمر بالتوكل ومدحه، وبما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (يدخل من أمتي سبعون ألفًا من غير حساب، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).
وبما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (لو أنكم تتوكلون على الله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا
الصفحة 5
558