كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

ويعرف مدائحه ويدعوه بها أحسن من أن لا يعرفه ولا يعرف تلك المدائح له إلا نفسه، فإنما خلق ويعبد، لأن ذلك أحسن، واختيار الأحسن أحسن من اختيار ما ليس بأحسن، وهذا موضع قطع السؤال.
فصل
وإن سأل سائل: عن التعريض للثواب بالإيلام والأموال لم جاز أرأيتم لو أحد منا، هل يكون له أن يضرب عبده ليعطيه مالًا، فإذا كان ذلك قبيحًا فيما بيننا، فلم جاز وجود ذلك من القديم إن كان هو الفاعل له كما يقولون؟
قيل: في هذا طريقان كما ذكرنا في السؤال الأول: أحدهما أن لا سؤال عليه لأن ليس لأحد عليه أمر ولا نهي ولا فوق سلطانه سلطان، وإنما قبح ما قبح من العباد لمخالفتهم فيه أمر الله عز وجل، فإذا لم يكن على الله تعالى أمر ولا نهي لم يقبح منه شيء يفعله.
والسؤال عن أفعاله ساقط لأنه عز وجل كما وصف نفسه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
والطريق الآخر إن الله عز وجل يعلم أن الثواب الذي يعطيه العبد، وأسر له إذا لقيه من العافية التي يسلبه إياها في الحال، ويعلم أنه واصل إليه غير متخلف عنه، ولا فائت إياه، لأنه في يده وفي سلطانه، لا يخش أن ينس ولا أن يحول حائل بينه وبين إيصاله إلى العبد، فحسن منه أن يمنعه، وإحدى الحسنيين وهو العافية لما هو أحسن منا.
وأما الواحد منا فإنه لا يدري إن ما أعده لعبده خير من العافية الحاضرة، ولا يدري أن يصل إلى ما في نفسه من الإحسان أو لا يصل إن وصل. فهل يستمع العبد به أو لا يستمع؟ ولعله يصير وبالًا عليه وسببًا لهلاكه. ولعله يذهب منه قبل أن يستكمل رؤيته. وإذا لم يكن من هذا شيء، فليست العافية من عطيته. فيكون له أن يمنعها إياه، ليعرضها منه عطية أخرى. وإنما هي عطية الله عز وجل، إذا أعطاه إياها أعطاه نظرًا له، فهو أعلم بالخير له، والعبد لا يعلم من ذلك إلا ما يعلمه الله تعالى فكيف يكون له أن يتعرض لتكديره وتعييره، وإنما حسن مثل هذا من الله تعالى لأنه امتنان بالعافية. فإذا أراد أن يأخذها ليبدل مكانها خيرًا منها، فإنما يبدل عطية بعطية. فكان ذلك من معاملة

الصفحة 543