كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

ولا شيء من آلائك ربنا نكذب. فهذه آيات وقع فيه الإذكار بالنعم، والإذكار بها لا يكون إلا لاستدعاء الشكر واستقصار النعم عليه فيه.
وقال لموسى عليه السلام: {وذكرهم بأيام الله} أي ذكر قومك بنعم الله، وما ذاك إلا ليشكروا {أما ترى ..} إلى قوله {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} وقص على الأمر بالشكر في عدة آيات، منها قوله تعالى في سورة البقرة {واشكروا لي ولا تكفرون} وقوله {اعملوا آلا داود شكرًا وقليل من عبادي الشكور}. وقال: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًا، فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب، وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم، أفلا يشكرون} وقال فيما وصفه من الحكمة التي أعطاها لقمان: {إن اشكر لي ولوالديك، إلي المصير}. وقال فيما حكي عن سليمان عليه السلام عند رؤيته عرش بلقيس: {فلما رآه مستقرًا عنده، قال: هذا من فضر ربي ليبلوني، أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم}. وقال: {إن الإنسان لكفور}. وذمه إياه بالكفران إن اقتضاء للشكر. وفي آية أخرى {لعلكم تشكرون} فأحدهما اقتضاء والآخر استقصاء واستنباطًا.
وقد ثبت بجميع ما كتبنها، وما عسى سهونا عنه، فلم نكتبه وجوب شكر الله تعالى على العباد لنعمه الكثيرة العظيمة السابغة لديهم، ولا شك إنها إذا كثرت وفاتها الإحصاء لم يتوصل إلى شكرها إلا بذكرها ودراستها وعرضها على القلوب عند رين الغفلة. فإذا حصلت مذكورة فالشكر لها يختلف:
فمنها اعتقاد إن الله عز وجل قد أنعم فأكثر وأجزل. وكل ما بها من نعمه فمنه، لا من الكواكب، كما قول بعض المبطلين. وإن كلها فضل منه وامتنان، وإنا إن اجتهدنا لم نرد شكرها ولم نقدرها حق قدرها.

الصفحة 545