كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

ومنها الثناء على الله عز وجل وحمده، وإظهار ما في القلوب من حقوق هذه النعم باللسان، والجمع فيما بين الاعتقاد والاعتراف الذي يقتضيه تعظيمه، ولا تعظيم كالطاعة.
ومنها أن يكون العبد مشفقًا في عامة أحواله من زوال نعم الله تعالى عنه، وجلا من مفارقتها إياه، مستعيذًا بالله تعالى من ذلك، سائلًا إياه متضرعًا إليه أن يديمها له ولا يزيلها عنه.
ومنها أن ينفق مما أتاه في سبيل الله ويواسي منه أهل الحاجة، ويعمر المساجد والقناطير ولا يدع بابًا من أبواب الخير إلا أتاه، وأظهر له من نفسه أثرًا جميلًا فيه.
ومنها أن لا يفخر بما أتاه الله على غيره، ولا يتبذخ ولا يتصلف ولا يزهو ولا يتكبر، قال الله تعالى: {إن الله لا يحب كل مختال فخور}. وقد كتبنا ما يتصل بهذا المعنى في قصة قارون وقوله، في باب القدر.
ومنها أن لا يكتم نعمة الله تعالى عليه، ما لم يعلم في ذلك احتياطًا لنفسه ويجتهد في أن يرى آثارها عليه، ويتحدث بها، مستندًا بنعمة الله مبينًا عليه، وبفضله قاصدًا أن يشركه إخوانه من المسلمين في السرور بما يسره، ويعينوه على حمد الله تعالى وشكره، ويسألوه من إدامتها له ما سأله منها لنفسه بنفسه. فأما على وجه الزهو والاعتلاء بها على من ليس في مثل حاله فلا. وليس من إظهار أثر نعمة الله أن يستكثر من المآكل والمشارب والرباع والضياع والعبيد والإماء والخدم والدواب. ولكن أن يرحم أهل الحاجة ولا يغفل عنهم، ولا يبيت شبعانًا وجاره جائع فلا يطعمه. وكذلك من يعرفه بالحاجة، وإن لم يكن له جارًا. ولا يلبس الفضل من الثياب وغيره من فراشه، وأهل دينه في بلده أو جواره ومحلته مار يحرقه الحر، أو يقطعه البرد فلا يكسوه، ولا يتبضع بالبضائع بالألوف، أو يركم البذر ويتصدى لضرير في جواره أو محلته أو من جملة قرائبه من يحتاج إلى درهم يصرفه في حاجته فلا يجده ولا يعطيه.
فإن كان يفعل هذا كله فلا عليه أن ينفق على نفسه أكثر مما يحتاج إليه، وكل من كان

الصفحة 546