كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

عنده فضل، فأنفق فضلًا فأكل لونين أو لبس ثوبين، واستخدم عبدين وافترش فراشي جاريتين ويبني دارين، وركب دابتين، أو زاد، فهذا على وجهين:
أحدهما: أن يكون غرضه إظهار فضل الله تعالى عليه ليخرج به من حكم الكافر المتنبه بالمنكر والجاهد، وهذا أحسن. إلا أن إظهار ذلك بالمواساة أولًا أحسن.
والآخر: أن يكون غرضه المباهاة والمكاثرة والبغي والمفاخرة، فهذا حرام عليه. ويخشى أن يكون أدنى ما يعاقبه الله تعالى أن يعطيه ما أتاه، ويقطع عنه ما أعطاه فينبغي لمن أشفق من ذلك أن لا يغفله.
ومن أعظم فوائد نعم الله تعالى الاستدلال بها على المنعم، فإن فيها الدليل عليه وعلى قدرته وعلمه وحكمته ووحدانيته. وقد نبه الله تعالى على ذلك في غير موضع في كتابه، فالله تبارك وتعالى امن علينا بأن جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة بعد أن أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا. وقال في آية أخرى: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم، وختم على قلوبكم، من إله غير الله يأيتكم به}. فالأول إسيان والآخر تنبيه واحتجاج. فيحتمل أن يكون احتجاجًا على مشركي العرب الذين كانوا يعترفون بالله عز وجل ويصفون خلق أنفسهم إليه، ثم يتبنون مع ذلك له شريكًا، فأخبر عنهم إنهم {إذا قيل لهم من يبدأ الخلق ثم يعيده، أم من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن يدبر الامر}، قالوا: الله وأنهم إذا قيل لهم: من خلقكم؟ قال الله، ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: {هذا خلق الله} باتفاق مني ومنكم {فأروني ماذا خلق الذين من دونه}. وأن يقول لهم: {أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم بعد أن خلقها لكم، من إله غير الله يأتيكم به}. أي إذا كان هو الخالق لهذه الأشياء، فأخذ منها ما خلق، فمن ذا الذي يتوهم أن يعارضه، فينزع منه ما أخذه منكم، ويرده عليكم. أي فإذا كان ذلك مما لا سبيل لكم في امتنانه، فاعلموا أنكم لا تحصلون من الشرك إلا على قول مجرد لا حاصل تحته، وإن الكف عنه أولى.

الصفحة 547