كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

الباديء، إلا أنهم يلحدون في اسمه فيسمون به غيره، وينسونه، وعندهم أنه معونة، وهذا نهاية الجهل. فيقال لهم ما قال الله عز وجل: {أفلا تبصرون} أي لا عقول لكم تدركون بها خطأ هذا القول وفساده، فترجعوا عنه إلى ما يصح ويسلم على النظر، وبالله التوفيق.
وقال في آية أخرى: {وسخر لكم الله والنهار} فامتن بها على العباد حتى قال محتجًا: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة، من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}. وهذا يحتمل وجوهًا:
أحدها ما ذكرت في قوله: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به}. وذاك أن الله عز وجل قد أخبر في غير هذا الموضع، إنهم إن سئلوا: من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فلما كانوا معترفين بذلك، وصاروا مع ذلك يشركون أموات. فقال لهم: أرأيتم إن حبس الله النور والظلمة، من كان يأتيكم بما حبس عنكم؟ أي فإذا كان خلقها لهم ولا يمكن أن يردها عليكم أحد منهما ما ينزعه منكم، فمن هذا الإله الآخر إذًا. وما الذي يملكه، وأمر الذي بيده، وهو معنى قوله عز وجل في غير هذا الموضع {هذا خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من دونه}.
والوجه الآخر: أن يكون احتجاجًا على عبدة الأوثان كأنه قال لهم: من إله غير الله يأتي بما حبسه الله تعالى عنكم من النور أو الظلمة، الذي لا يبصرون عجز الأوثان وجودها، فيعلموا أنها لا تقدر على شيء ألا تسمعون ما يقال لكم عودًا على بدء، ويضرب لكم الأمثال، فتعلموا أن عبادة الوثن جهل وضلال.
والوجه الثالث: أن يكون احتجاجًا على التنويه الذي يقولون بأن خالق النور من

الصفحة 549