كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

خالق الظلمة. كأنه قيل لهم: إن كان هذا هكذا فأضيفوا إلى الله عز وجل إحدى هذين من النور أو الظلمة. ثم إنه أراد إبقاء ما خلق من إله غيره، كأن يأتي بضده، وذلك إذا أتى بضده لم يخلو من أن يتعد له إظهارًا ما أتى به، وإبطال ما كان قبله أولًا بنفسه. فإن تعد، فكيف يكون الأول مقهورًا وهو إله؟ وإن لم يتعد، فكيف يكون الثاني مقهورًا وهو إله؟ وإذا كان ذلك فيستحيل وقد أقررتم بأن خالق النور هو الله عز وجل. فاعلموا أن خالق الظلمة ليس غيره. وإنها جميعًا خلقه، فلا هو أن يحبس النور قدر على الإتيان به غيره، ولا إن حبس الظلمة قدر على الإتيان بها غيره. أفلا تسمعون ما نكرر عليكم من الاحتجاج ونضرب لكم من الأمثال فتنتهوا أو تذروا ما أنتم فيه من التعسف والجهالة أفلا تبصرون بعقولكم ما فطرت عليه من الهداية والدلالة، فلا تعتقدوا المتناقض، فالنص في هذا التأويل، وفي الأول نص القلب، وفي الذي بينهما نص العين، وبالله التوفيق.
وقال في آية أخرى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا لنحيي به بلدة ميتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا}. فهذا امتنان. وفي آية أخرى {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماء معين}. فهذا احتجاج على المعنى الذي بينته فيما مضى، لأن الله عز وجل قال: {ولئن سألتهم نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ليقولن الله}. فإذا كان هذا قولهم، ثم أثبتوا لهم شريكًا يوجبه عليهم أن يقال لهم: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا، فمن يأتيكم بماء معين} أي إذا لم يكن أحد مهيأ لكم أن تشيروا إليه، فيقولوا: إن هذا الإله إن حبس الماء فذلك الإله يأتينا به. فما معنى إثبات شريك لا يحصل منه إلا على اسم فارغ لا معنى تحته ولا حاصل له. وقد حكي عن بعض جهال الملحدين، إنه مر بقوم يصلون وإمامهم يقرأ: {أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فيمن يأتيكم بماء معني} فقال الرجل: والمعاول ولم يعلم إن الاحتجاج إنما وقع بالماء الذي هو غار، فصار الرجال لا يصلون بمعاولهم إليه فإن ذلك ما لم يمتحن لا يدري إن الماء قد خار لأن يخوره مفارقته المعدن المعهود له ولا يظهر

الصفحة 550