كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

ذلك إلا بعد أن يعمل الرجال معاولهم حتى يصلوا إلى معدنه وينابيعه. فإذا وصلوا إليها وجدوها فارغة منه، ونزلوا عنها، ولم يحسبوا لها أثرًا، علموا أنه غار وإن ظهر ذلك لهم لم يغن الرجال والمعاول، وانصرفوا كما حضروا، فقد ضل سعيهم وهدر أمرهم، كما ضل سعي هذا الملحد في معارضته، وهذا أمره وبالله التوفيق.
وكل ما لم نكتبه مما يدخل في هذين المعنيين الامتنان والاحتجاج من الآيات، فهو مثل كتبنا، والعقلاء يعرفون ذلك ويدركونه إذا نظروا وتأملوا وبالله التوفيق.
فصل
وفي هذا الذي انتقصناه، دليل على أن من تأمل الآيات الموجودة في أصناف هذه الخلائق من أولي الأمور، لأن العبد كلما ازداد تأملًا لها زادته هداية ودلالة تقربت بصيرته، وخلصت من الخواطر والهواجس عقيدته. وهذا هو المعنى الذي وقعت الإشارة إليه لقوله عز وجل: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا}. وإن هذا التأويل من أعظم ما يؤدي به حق الله تبارك الله وتعالى، فهو إذًا مضمون إلى سائر الوجوه التي كتبناها أو مبدي عليها، والله أعلم.
ومما جاء في شكر النعمة، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رأى صاحب بلاء، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا إلا أعيذ من ذلك البلاء). وليس هذا على أن يخاطب بهذا القول المبتلي ويسمعه إياه، فإن هذا يخشى أن يكون تعبيرًا له بالبلاء، ويحبط فائدة الحمد، ولكن على أن يقول ذلك من حيث لا يسمعه المبتلي. وإذا تأكد هذا الحمد بأن دعا المبتلي إما العافية وإما بالاحتساب والصبر، فذلك أولى، وإلى القبول أدنى.
ومما جاء في شكر النعمة المنضدة إذا حضرت أو كانت خافية، ظهرت السجود لله عز وجل، والأصل فيه قول الله عز وجل: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب

الصفحة 551