كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

خر ساجدًا، وإن سجد خر حتى ركع. وإنما أراد بذلك أنه لما قيل {خر} وكان الراكع لا يخر. إنما يخر الساجد، علم إنه ركع ثم خر كأنه كان قائمًا فانحنى. ثم لم يقتصر على ذلك حتى خر فسجد، وقد تظاهرت الأخبار إنه سجد وأطال عندما استشعر بالخطيئة فدل ذلك على أن المعنى بالآية هو السجود والله أعلم.
وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء عنه أنه رأى نقاشًا يقال له رتيم، فقرأ فخر النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا، وقال: (الحمد الذي لم يجعلني مثل رتيم) هذا على أنه لم يكن رأى خلقًا في نقصان خلق رتيم، فلما رآه حمد الله تعالى على ما أكمل من خلقه، فكان كمال خلقه حتى لا يكون كرتيم نعمة خافية عليه، فلما ظهرت له سجد.
وقال أبو بكر: كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاه فبشره خر ساجدًا). وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لقيت جبريل عليه السلام، فبشرني، وقال: إن الله عز وجل يقول: (من صلى عليك صلاة صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرًا).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن ربي قال لي: لمن أجرتك في أمتك، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا من كل سبعون ألف، ليس عليهم حساب. ثم أرسل إلي ربي ادع نجب جبل يقظه. وإنه أعطاني إني أول الأنبياء دخولًا الجنة، ولم يجعل علينا من حرج، فلم أجد شكرًا غيرهما).
وجاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، ثم سجد سجدة ظننت إن نفسه قبضت فيها. فقلت: يا رسول الله، سجدت سجدة ظننت أن نفسك قبضت فيها قال: (إني صليت ما كتب لي ربي عز وجل، فقال: يا محمد ما أفعل بأمتك. فقلت يا رب، أنت أعلم قال لي: إني لن أحرمك في أمتك، فسجدت لربي عز وجل بها شاكرًا).

الصفحة 553