كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم ادخله الدرك الأسفل من النار.
وأما خلقه وخلقه صلى الله عليه وسلم: فقد روى عظمها في حديث جامع سوى ما جاءت به الأخبار متفرقة. وروى عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، وأنا استهي أن يصف لي منها شيئًا اتعلق به. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمًا مفخمًا يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر إن انفرقت عقيصته وإلا فلا تجاوز شحمة أذنيه إذا هو وفره. أزهر اللون واضح الجبين، ازج الحاجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، اقنى العرنين، اشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المكبين، ضخم الراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري اليدين والبطن، مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين، وأعلى الصدر وطول الزندين، رحب الراحة، سبط العجب، شتى الكعبين والقدمين، سابل الأطراف خمصان الأخمصين، مسح القدمين ينبو عنهما الماء، إذ زال زال فلعًا يخطو بكفؤ أو يمشى هونًا، ذريع المشية، كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت جميعًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسبق أصحابه يبدأ بالسلام من لقيه.
قلت: صف لي منطقه؟
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختم بأشداقه. ويتكلم بجوامع الكلم فضل لا فضول ولا بقصير. دمث ليس بالجاهل ولا المهين. يعظم النعمة وإن دقت ولا يدم منها شيئًا ولا يذم ذواقًا. ولا يمدحه ولا تعصبه الدنيا وما كان لها فإذا به وطئ الحق، لم يعرفه أحد، لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب نفسه ولا ينتصر لها. إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث ليفصل بها يضرب براحته اليمنى على باطن إبهامه اليسرى. وإذا غضب أعرض واشاح، وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه النسيم. ويفتر عن مثل حب الغمام.

الصفحة 64