كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حكم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤتى فيه الحرم، ولا ينبي فلياته، وقيل لا يثنى متفاضلون فيه بالتقوى، ويحفظون القريب متواضعين، يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون الحاجة.
قلت: كيف كانت سيرته في جلساته؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب. ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش، ولا غياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهى. ولا يوس منه ولا يحب فيه. قد نزل نفسه من المراء والإكبار ما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث، كان لا يذم أحدًا ولا يعيره، ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أوليهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون.
ويصير للقريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى أن كان يستجلبونهم. ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه ولا يقبل إنشاء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجور فيقطعه بنهي أو قيام.
قال فسألته: كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكير. فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع من الناس. وأما تفكيره ففيما يبقى ويغنى وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستنفره وجمع له في الحذر في أربعة أخذه بالحسن ليقتدي به. وتركه القبح بسلها عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة.
ومنها ما يروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بالطويل البائن ولا بالمشذب الذاهب، ولا القصير المتردد، وكان ينسب إلى الرفعة إذا مشي، ولم يكن على ذلك يماشيه أحد من الناس. بسبب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما، وإذا فارقا نسبا إلى الطول، ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفعة ويقول: جعل الخير كله في الربعة. وكان لونه ليس باهق ولا بأدم وكان أزهر اللون، وكان عرقه في وجهه مثل اللؤلؤ، أطيب من المسك الأدفر. وكان

الصفحة 66