كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

أو كانت لبكاء بارزتين. أي ما حول العنفقة من جانبيها، لم يكن فيه شعر، بل كان في بياض اللؤلؤة. كان عريض الصدر ممسوحه كالمرايا في شدتها واستوائها لا يعدو بعض لحمه بعضًا. وكان قليل الكند وهو مجتمع الكتفين والظهر. ومن قال: كان طويه مسربه الظهر، أراد بها القضاء، والذي في الظهر من أوله إلى آخره.
وفي حديث الهجرة. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليله هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة ومولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط. فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية، فسألوا تمرًا أو لحمًا ليشتروه، فقالت: لو كان لم نعوزكم القرى. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر خيمتها فقال: (هذه الشاة يا أم معبد. فقالت: شاة خلفهما الجهد عن الغنم. فقال هل بها لبن؟ فقالت: هي أجهد من ذلك؟ قال: أتأذنين أن أحلبها؟ قالت نعم. بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة، فمسح ضرعها، وذكر اسم الله وقال: اللهم بارك لها في شاتها. فتفاحت وأدرت وأحبرت، فدعا بإناء لها بربص الرهط، فحلب فيها نجاء فسقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه فشربوا حتى رووا وشرب آخرهم، وقال بباقي القوم آخرهم شربًا فشربوا جميعًا، ثم قعد نهل حتى أراضوا، ثم حلب فيه ثانيًا، فغادره عذبًا، ثم ارتحلوا عنها فقفل. ما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا حبلاً عجافًا، شاؤك هزلى فيجهر قليل، لا بقي لهن. فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين لكم هذا والشاة عازبه، ولا حلوب في البيت. فقالت: والله ألا أخه مر بنا رجل مبارك وكان من حديثه كيت وكيت. قال إني والله لأراه صاحب قريش الذي يطلب. صفيه لي يا أم معبد؟ قالت رأيت رجلاً ظاهر الوضأة ملح الوجه حسن الخلق، لم تعيه نحله ولم ير بربه صلعه وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف، وفي صوته ضحل، أحور أكحل أزج أقرن، رجل شديد سواد الشعر، في عنقه سطح، وفي لحيته كثافة، إذا صمت يعلوه الوقار وإذا تكلم سماه البهاء، كان منطقه جهرات نظم يتجرون، جلو المنطق، فصل لا نزر ولا هدر، أجهد الناس وأجملهم من بعيد وأجلاهم وأحسنهم من قريب. ربعة لا تساوه عين من طول، ولا يفتحه من قصر غصن من غصنين، فهو من أنصر الثلاثة منظرًا وأحسنهم قدرًا له رفقا يحفون به. إن قال اجتمعوا لقوله: وإن أمر تبادروا إلى أمره، ولو كب وافقته لالتمست أن أصحبه ولا فعلته إن وجدت سبيلاً إلى ذلك.

الصفحة 69