كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

فإن كان فصل من فصول هذا الحديث إذا بسط اقتضى كلامًا وشرحًا طويلاً، ومن أراد استيفاء هذا الباب، فلينظر في الكتاب المعروف بجوامع الكلم المفرد لهذه الأخبار إن شاء الله.
وأما زهده وصبره على شدائد الدنيا، فإن الله تعالى اختار ذلك له ووصاه به فقال:} ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى {. فروى عنه صلى الله عليه وسلم: أن عمر بن الخطاب دخل عليه وفي البيت أهاب معلقة وقرظ رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم على حصير قد أثر في جنبه فوجد ريح الاهاب. فقال: يا رسول الله، ما هذه الريح؟ قال. (يا ابن الخطاب، هذه متاع الحي، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الحصير أثر في جنبه فقال عمر رضي الله عنه. أما أنا فأشهد أنك رسول الله، وإنك أكرم على الله من كسرى وقيصر، وهما فيما هما فيه من الدنيا، وأنت على حصير قد أثر في جنبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال. بلى. قال. (لنا الدنيا ولنا الآخرة). وخيره الله تعالى بين أن يكون عبدًا نبيًا وبين أن يكون ملكًا نبيًا فاختار أن يكون عبدًا نبيًا. وروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول. (اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين) كان ذلك تواضعًا وتذللاً لله عز وجل، وإشفاقًا على نفسه من الطغيان والاشتغال بالمال من عبادة الرحمن. وكان فراشة الذي قبض عليه محشوًا من وبر الإبل، طوله ذراعان أو نحوهما، وعرضه ذراع وشبر أو نحوه وكان له فراش من أدم، حشوه ليف، ووسادة حشوها ليف. وجاء أنه ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز البر مذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعًا حتى قبضه الله عز وجل. ولما أفاء الله تعالى عليه القرى القريبة كان يحبس من غلاتها لعياله قوت سنة ويصرف ما فضل إلى الكراع والسلاح عدة في سبيل الله والأخبار في هذا الباب كثيرة وهي موجودة فيما جمعه الناس في الزهد والوقوف عليها ممكن.

الصفحة 79