كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

غيركم يدعي من هذا التنبيه مثل ما يدعونه لنبيكم. فإن اليهود تزعم أن موسى أخبرهم أن شريعتهم قائمة ما قامت السموات والأرضون.
قيل: إنهم إن كانوا صادقين في قولهم، فإنما أراد موسى عليه السلام بما قال: التوحيد الذي أراد الله تعالى بقوله:} شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين {وإنما أراد به التوحيد، فإن الله تعالى لم يشرع خلافه ولم يرض من أخذ به وإنما شرع التوحيد وأمر به. فإن كان موسى صلوات الله عليه: يدعونه. فإنما أراد أن شريعته وهي ملته ودينه الذي هو التوحيد لا يزال هو الدين. وإن المجوسية والفرس لا يكونان دينًا أبدًا ولم يرد الشرائع التي تحتمل النسخ والتبديل، وما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: فإنه لا يحتمل مثل هذا التأويل، لأنه ذكر أنه لا نبي بعده، لأن شريعته تدوم. فتناول هذا التوحيد فضح أنه آخر الأنبياء كما قال وبالله التوفيق.
ويدل على أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان رسولاً إلى الأنس والجن، وأنه خاتم النبيين، إن الله تعالى جعل القرآن حجة له، ودلالة على نبوته، وينزل بين الجن والأنس على وصفهم على الإنسان بمثله، فدل ذلك على أن المشركين في هذا العجز مشركين في لزوم الحجة إياهم. ولا يجوز أن تكون دعوته خاصة وحجته، لأنه لو جاز أن يكون أحد من العاجزين عن الإتيان بمثل القرآن من داخل في دعوته لجاز أن يكونوا كلهم غير داخلين في دعوته، وفي هذا إبطال أن يكون العجز الذي ذكرنا حجة على أحد. وإذا كان هذا في زمانه إلى يومنا هذا هكذا، فهو إلى أن تقوم الساعة مثله لأنه لو كان بعده رسول لكانت رسالته لا تحيل وجود القرآن في قلوب الناس وفي مصاحفهم. ومعلوم أنه كان لا يكون مع القرآن إلا معجوزًا عن الإتيان بمثله، لأنه لو استطاع يومئذ أحد أن يأتي بمثله لصار قوله:} قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله {كذبًا. لأن الخلف إذا عرض فيه ظهر أنه يمكن من عند الله، ولأن الناس كلما تطاول الأيام عليهم ازدادت حظوظهم من اللسان العربي نقصانًا، وقلبه يدل على ذلك، أنهم اليوم فيه دون ما كانوا

الصفحة 83