كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

قبل خمسين سنة، دون ما كانوا فيه بمائة سنة. فإذا جاء واحد منهم من الذين يأتون بعد. وقد غلب الجهل باللسان العربي، ونقصت بلاغتهم وفصاحتهم جمل القرآن كان ذلك دلالة على أن المتقدمين كانوا على ذلك أقدر، ولكنهم امتنعوا بسبب، أو قد جاءوا بمثله، ولكنه كتم ولم يعترف به. فإن كل واحد من هذين الدليلين يوجب أن تكون الدعوة من أصلها فاسدة لا منقطعة متناهية. وقيل: بل هو القول يدفعه عن الرجاء له إلى العرب، فلم يكن أن يجيز واحدًا من الأمرين اللذين ذكرتهما، فبان إن رسولاً لو جاء لم يجيء إلا عاجزًا ومن معه عن الإتيان بمثل القرآن. والإعجاز حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجز بأن تكون حجته باقية ودعوته منقطعة، إذ لو جاز هذا بعد سنين لجاز في عصره وزمانه أن يكون القرآن معجزًا عن مثله، ولا يكون له مع إثباته به دلالة على دعوته، وإذا أوجب أن تكون دعوته باقية لبقاء حجته فقد بان أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قال لا نبي معي أو بعدي صح أن الذي جاء مدعيًا أنه نبي مبطل في دعواه.
فإن قيل: أرأيتم لو قال من خالفكم أنه بعث بعده نبي رفع القرآن من بين الناس، فلم يكن من أحد منهم معجوز عن مثله ولا مقدور على مثله.
قيل: هذا غير جائز، لأنه لو وقع لصار الناس مضطرين إلى العلم بانتهاء دعوة القرآن وتجدد غيرها، ولا يجوز أن يكون العلم بدعوة نبي ضرورة. فصح أن رفع القرآن من الوجه الذي قاله المعترض غير ممكن والله أعلم.
وأما أن محمدًا صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، فإنه روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم) وهذا دليل قاطع في الباب.
ووجه آخر أن شرف الرسول بالرسالة. ونبينا صلى الله عليه وسلم خص بأشرف الرسالات أنها تستحب، تقدمها من الرسالات، لا يأتي بعدها رسالة تنسخها. وإلى هذا المعنى أشار ربنا عز وجل فيما وصف به كتابه إذ قال:} وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من

الصفحة 84