كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

بين يديه ولا من خلفه {فقيل في معناه. وليس فيما تقدم به ما يكذبه ولا بعده ما يوقفه. وفي هذا ما دل على أن هذه الرسالة أفضل الرسالات، فصح أن المرسل بها أفضل الرسل.
ووجه ثالث: وهو أن أمته خير الأمم لقول الله عز وجل:} كنتم خير أمة أخرجت للناس {. فدل ذلك على أن أصحابه خير الأمم.
ووجه رابع: وهو أن الله تعالى أقسم بحياته، ومعقول أن من أقسم بحياة غيره، فإنما يقسم بحياة أكرم الأحياء عليه. فلما خص الله تعالى نبينا عليه السلام من بين البشر بأن أقسم بحياته فقال:} لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون {بأن أنه أفضلهم وأكرمهم.
فإن قيل: فقد أقسم بالتين والزيتون وطور سينين فما في هذا؟
قيل: ما من شيء أقسم به إلا وذلك دلالة على فضله على ما يدخل في عداده والله أعلم.
ووجه خامس. وهو أن الله تبارك وتعالى جمع له. بين إنزال الملك عليه وإصعاده إلى مساكن الملائكة، وبين إسماع كلامهم الملك وارائه إياه في صورته التي خلق عليها. وجمع له بين إخباره عن الجنة والنار وإطلاعه عليهما، فصار العلم واقعًا بالعالمين، ودار التكليف ودار الجزاء عيانًا. وأصل النبوة أنه الخبر والمعرفة. إما أن يكون ضرورة أو إكتسابًا، ولا شك أن درجة الضرورة فوق درجة الاكتساب. فلما أعلم الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا خبرًا، كما أعلم غير من إخوانه عليهم السلام، زاده من علم الضرورة ما لم يؤتهم علمنا أنه أوضح في النبوة وأعلى قدمًا فيها من الذين تقدموه، وبالله التوفيق.
ووجه سادس. وهو أن من ينزل عليه الملك كرامة له إذ كان أفضل ممن لم ينزل عليه فيتجاوز مكانته إلى مقاتلة المشركين عنه حتى يظفره الله تعالى عليهم أفضل من لا يكون من الملك إلا إبلاغ الرسالة إياه، ثم الانصراف عنه، ومعلوم إن هذا لم يكن إلا لنبينا عليه السلام. فينبغي أن يكون لذلك أفضل الأنبياء صلوات الله عليهم.

الصفحة 85