كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

فإن قيل: أرأيتم لو استدل مستدل على تقديم آدم صلوات الله عليه على الجماعة بمثل هذا الدليل فقال: إن الله أسجد ملائكته لآدم، ولم يسجدهم لغيره، وسجودهم أكبر من مقاتلتهم عمن قاتلوا عنه من وجهين.
أحدهما أن عامة الملائكة اشتركوا في السجود ولم يشتركوا في القتال يوم بدر.
والآخر أن السجود من الخضوع للمسجد له ما ليس في المقابلة مع المعاني بالقتال عنه، فوجب لهذا أن يكون أفضل الجماعة.
فالجواب -وبالله التوفيق- أن السجود لآدم إنما كان سجودًا لله عند خلقه لآدم تعظيمًا لله عز وجل إذ لم يخلق قبل آدم خلقًا أجمع، فإنه جمع فيه من المعاني. الخلائق السماوية والخلائق الأرضية التي كانت قبل آدم، فقال لهم قبل أن يخلقه:} إني خالق بشرًا من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين {. فكان المعنى. فقعوا عند إتمامي خلقه ساجدين، كما كان معنى قوله تعالى:} أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل {أي عنده. وقوله عز وجل:} اسجدوا لآدم {جملة وتفسيرها ما ذكرنا من قوله: أي خالق بشرًا من طين من هذا القول أمرًا لهم في ذلك الوقت بالسجود.
والدليل على صحة ما قلت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. (لأن ابن آدم إذا سجد أدبر الشيطان) وقال أمر ابن آدم في السجود فأطاع فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار، ومعلوم أن ابن آدم إنما أمر بالسجود لله تعالى لا لغيره، فدل ذلك على أن السجود الذي أمر به الشيطان فلم يفعله إنما كان من جنس ما أمر به ابن آدم ففعله وهو السجود لله تعالى. وإذا كان السجود الذي أمرت به الملائكة لله جل ثناؤه لكن عند خلقه آدم إعظامًا لقدرة الله عز وجل التي أظهرها لهم بخلقه مؤلفًا من أضداد شيء من قلبه إياها بشرًا حيًا سميعًا بصيرًا عاقلاً ناطقًا. ومعلوم أن أولاد آدم إذا كانوا مشاركين له في أوصاف خلقه، وكانوا مع ذلك متفرعين عنه، لم يخلوا من مشاركته عن غرض

الصفحة 86