كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

الملائكة الذين كان لهم في السجود لله تعالى عند خلقه، وأما قتال الملائكة مع نبينا صلى الله عليه وسلم فإنما كان لنصرته ونصرة الدين الذي بعث به، وذلك مما لا يتعداه إلى الذين تقدموه، ومنها بجنهم. والمتأخرون عنه ليسوا مبعوثين بالدين إيمانهم، مأمورون بإتباعه، فليست منزلتهم فيه كمنزلة ولد آدم من آدم والله أعلم.
وجواب آخر وهو أن السجود من الملائكة أن كان لآدم، فقد يحتمل أن ذلك إنما كان غير حالهم على قولهم لله عز وجل ثناؤه لما قال لهم:} إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء {.
ولئن أمرهم بالسجود له قبل أن يخبرهم إني جاعل إياه خليفة، فإذا كان أمرًا معلقًا بحال إتمامه خلق آدم، فقد يجوز أن يكون أمرهم بالسجود له إذا خلقه، لعلمه أنه يقول لهم قبل أن يتم خلقه، إني جاعل في الأرض خليفة ويحسبون بما أجابوا به. فأراد أن يكون ذلك عند فعلهم إياه عقوبة لهم بما قدموه من القول. وهذا وإن كان فيه كرامة لآدم صلوات الله عليه، فإن عرض الكرامة له فيه وليس يخلص من عرض العقوبة لهم، وإيصال عرض العقوبة بعرض الكرامة موهن عرض الكرامة إذا كان المقصود تكريمه، ثم لهذه الكرامة حتى حديث إليها داعية سوى قدره ومنزله، وهي القصد إلى معاقبة المأمورين بالسجود.
وأما قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنها كرامة خالصة عرضه الله تعالى فيما يفضله دلالة الأولين والآخرين على نفاسة قدره وعظم منزلته، فاستحق به التفضيل كما بينا والله أعلم.
ووجه سابع: وهو أن الأفضل من يفضله الله تعالى يوم القيامة ويكرمه بما لا يكرم به غيره، وجاء عن نبينا الصادق في أخبار الدنيا والآخرة وما كان ويكون صلوات الله عليه أنه قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع ومشفع ولواء الحمد بيدي، منحته آدم ومن دونه ومن بعده من المؤمنين ولا فخر)

الصفحة 87