كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

صفوة بيت المقدس بحضرة من كان رآه وعرفه، فلم يزل يصفه لهم حتى كاد يشكل عليه بعض البعث، فمثل له حتى نظر إليه ووصفه لهم أنه رأى غيرهم في موضع كذا، ومر عليهم ليلاً فند بعض الإبل من فرسه. وإنه استسقى لهم ماء فسقوه، فشربه حتى لم يبق في الإناء شيء. وأنه كان يقدم العير جمل أو رق، فسألوه عن وقت ورودهم مكة، فقال: بعد الغد، أراه عند طلوع الشمس. فوردوا للوقت الذي ذكر يقدمهم جمل أورق. وسألوهم: هل مر عليهم راكب فندت الإبل من فرسه، فقالوا نعم. وسألوهم عن الماء فأخبروهم بمثل الذي قال لهم.
ومنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم، لما خرج من مكة مهاجرًا إلى المدينة ومعه الصديق رضي الله عنه تبعه سراقة بن جعثم، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساحت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه. وقال: يا محمد. قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن يخلصني مما أنا فيه، ولك علي أن لا يمنن على من ورائي. فدعا له.
ومنها ما روي في هذه القصة. إن فارسًا لحق فقال أبو بكر: يا رسول الله هذا فارس قد لحق، فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم اصرعه فصرعه فرسه فقام يجمع. فقال: يا رسول الله، مرني بما شئت. فقال (قف مكانك، لا تتركن أحدًا يلحق بنا) فكان أول النهار جاحدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آخر النهار مسلحة له.
ومنها ما روى في هذه القصة أيضًا: قال عبد الله بن مسعود، وكنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط. فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال لي (يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن. فقال: هل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ قال: فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل اللبن فحلبه في إناء فشرب، وسقى أبا بكر، وقال للضرع: أقلص فقلص).
ومنها ما روى في هذه القصة أيضًا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، مروا في مهاجرتهم إلى المدينة على حمى أم معبد، وقد ذكرنا هذه القصة.

الصفحة 91