كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

الحي الذي لا يموت). والأخبار في سجود الجمل الصائل، إنما يكون بتسخير الله تعالى إياه كذلك. وقد كان يجوز إذا فعل ذلك وقتًا، إن لا يفعله وقتًا، كما أن الله تعالى قد يشفي من مرض وقتًا ولا يشفي منه وقتًا، فلو يعوذ متعوذًا، من مرض كان به فعوفي، فلم ينكر ذلك. وكذلك أن أسلم النبي صلى الله عليه وسلم مرات. فزاده الله تعالى على السلامة، إن أسجده له جحده على الكفار، فذلك غير مانعه من أن يتعوذ بالله تعالى منه. وقد كان يجوز أن تكون سلامته من صول الصائل، ثم أتي له به غاية وتعوذ بالله من شره، واسجاد الصائل له بعد السلامة للاحتجاج به على الكفار، هذا ولم يتفق الناس على أن أحدًا لا يخاف من الجمل الصائل. وقد قيل أنها السيل والحريق والله أعلم.
ومنها: ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائط رجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سرابه ودفر به فسكن، ثم قال: (من رب هذا الجمل، فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله. فقال: الا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك إياها، فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتذئبه).
ومنها ما روى في قصة الحج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت إليه بديات خمس أرست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ.
وقد روى في شكاية البعير إخبار منها ما روى بعلي بن مرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلاً، فقال: إيت ذلك الأسى فقل للأسابين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر كما لتجتمعا. فوثبت إحداهما إلى الأخرى. فاجتمعا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته، ثم قال لي: قل لهما يتفرقا، فقلت لهما فوثب كل واحد منهما إلى مكانها.
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال لي اذهب إلى الاسابين فقل لهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تتعلقا بعروقكما وأصولكما وطنبكما حتى تستراه، ففعلنا ذلك، فسترتاه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته. ثم قال له: إيتهما فمرهما أن ترجعا إلى مكانهما ففعل.

الصفحة 94