كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 2)

خشبة يسند ظهره إليها، فلما كثر له الناس بني له منبر، فلما قام عليه يخطب بكت الخشبة حنين الوالد، فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكتت) فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكي ثم قال: يا عباد الله الخشب يحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه لمكانته من الله عز وجل، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه. وهذا الحديث يحتمل من المعنى أن يكون الله تعالى أحدث في الجذع حنينًا لحنين الوالد من غير أن يركب فيه حياة وعقال ليبين للناس أنه لو كان يعقل ويميز لكان من حقه إذا فقد خطبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحن هذا الحنين ويجز هذا الجزع. ثم إذا وجد من ذلك ما فقده سكن ليكون ذلك دلالة لهم على وجوب السكون إليه، والفرح بلقائه والقرب منه، وليكون ذلك من إعلام نبوته إذا كان أمرًا خارجًا من العادات، وله صلى الله عليه وسلم كرامة رفعه والله أعلم.
ومنها ما روى جابر رضي الله عنه قال: (أصاب الناس عطش يوم الحديبية، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ذكوة فتوضأ منها. فأقبل الناس نحوه فقال: ما لكم؟ قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء فجعل الماء يغور أصابعه أمثال العيون، حتى شربنا وتوضأنا) قيل لجابر كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسة عشر مائة والإخبار في مثل هذا كثيرة جدًا.
ومنها ما روى جابر رضي الله عنه في قصة الخندق قال: كنا نعمل فيه نهارنا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلينا. وكانت عندي شويهة غير جد سمينة، فقلت لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت امرأتي فطحنت شيئًا من شعير، فصنعت لنا خبزًا أورى تلك الشاة فشويناها فلما أمسينا، قلت يا رسول الله: إني صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا شيئًا من خبز هذا الشعير فأحب أن تنصرف معي إلى منزلي، وأنا أريده وحده فقال: نعم، ثم أمر صارخًا، فصرخ، أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر، فأقبل الناس معه، فجلس وأخرجناها فبرك وسمي ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم وجاءنا ناس حتى صدر أهل الخندق عنها وهم ثلاثة آلاف.

الصفحة 96