كتاب منحة الباري بشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

صلاة الجمعة. (أو ما قدر له) فرضًا أو نفلا. (ثم ينصت) بضم أوله من أنصت أي: سكت، وبفتحه من نصت بمعناه، ويجيء أنصت أيضًا متعديًا فيقال: أنصته. (إذا تكلم الإمام) شرع في الخطبة. (ما بينه) أي: بين يوم الجمعة الحاضرة. (وبين الجمعة الأخرى) أي: الماضية أو المستقبلة، فـ (الأخرى) تأنيث الآخر بفتح الخاء لا بكسرها، والمغفرة كما تكون للماضي تكون للمستقبل، بأن يعفى عنه إذا وقع، قال تعالى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] لكن في رواية عن ابن خزيمة "ما بينه وبين الجمعة التي قبلها" (¬1) وجرى عليه شيخنا (¬2)، وعلى الأول الكرماني وهو أقعد (¬3)، وما وقع في هذه الرواية خرج مخرج الغالب من استعمال (غفر) في الماضي، والمراد: غفران الصغائر لما في رواية لابن ماجه: "ما لم تغش الكبائر" (¬4) أي: فإنها إذا غشيت لا تكفر، فغشيانها مانع من التكفير لها، وذلك جار على قاعدة: إنه إذا اجتمع المانع والمقتضي قدم المانع، وليس المراد: أن تكفير الصغائر بالمذكورات متوقف على اجتناب الكبائر إذ اجتنابها بمجرده يكفر به الصغائر، كما نطق به القرآن في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] أي: صغائركم، ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر، فإن لم
¬__________
(¬1) لم أقف عليه بهذا اللفظ عند ابن خزيمة في "صحيحه" وإنما ورد بلفظ عنده: " ... فهو كفارة له إلى الجمعة التي تليها ... ".
(¬2) "الفتح" 2/ 372.
(¬3) "البخاري بشرح الكرماني" 6/ 9 - 10.
(¬4) "سنن ابن ماجه" (1086) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة. وصححه الألباني. انظر: "السلسلة الصحيحة" 7/ 1639 (3623).

الصفحة 597