كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 2)

قال الحافظ (¬1): هكذا روى مالك هذا الحديث في (الموطأ) لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد، وأن المرسل إليه هو أبو جهيم، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر، عند مسلم وابن ماجه وغيرهما، وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر، قال: أي: أبو جهيم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا عليه من الضرر، المستفاد من على في ذلك، أي: في المرور المذكور، زاد الكشميهني من رواة البخاري بعد قوله: "ماذا عليه من الإثم"، قال الحافظ ابن حجر: وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره، والحديث في (الموطأ) دونها؛ قيل: وفي مصنف ابن أبي شيبة: يعني من الإِثم، فيحتمل أن يكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلًا، فليس لفظ: من الإِثم، صريحًا في الحديث، ولكن ما ذكره النووي في (شرح المهذب) بدونها، قال: وفي رواية رويناها في (الأربعين) لعبد القادر الرهاوي: "ماذا عليه من الإثم"، ذكره السيوطي، وجملة "ماذا عليه" في محل نصب سادة مسدّ مفعولي يعلم، وجواب "لو" قوله: لكان أن يقف، أي: مريد المرور أربعين: أي ساعة، أو غيرها، خبرًا بالنصب خبر كان. وفي رواية: بالرفع على أنه اسمها، وسوّغ الابتداء بالنكرة، لكونها موصوفة، قاله ابن العربي، ويحتمل أن اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها من أن يمر بين يديه، حتى لا يلحقه ذلك الإِثم.
وقال الكرماني: جواب "لو" ليس هو المذكور، بل التقييد، ولو لم يعلم ما عليه لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيرًا له، وأبهم المعدد، تفخيمًا للأمر وتعظيمًا له.
قال الحافظ: السياق أنه عين المعدود، لكن شك الراوي فيه، ثم أبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين: أحدهما: كون الأربعة أصل جمع الأعداد، فلما أريد التكثير ضربت عشرة، وثانيهما: كون كمال أطوار الإِنسان بأربعين كالنطفة والعلقة والمضغة، ويحتمل غير ذلك، وفي ابن ماجه، وابن حبان من حديث أبي هريرة: "لكان أن يقف مائة عام خيرًا له من الخطوة التي خطاها"، وهذا أشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين.
¬__________
(¬1) في الفتح (1/ 594).

الصفحة 11