كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 2)

وجنح الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين، والمقام مقام زجر وتخويف فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين، بل المناسب أن يتأخر ومميز الأربعين إن كان هو السنة المدعى، أو ما دونها فمن باب أولى.
قال: أي: أبو النضر كما في (الموطأ) لمالك: لا أدري؛ قال أي: أقال بسر بن سعيد، كذا صرح الإِمام مالك في (الموطأ) بهمزة الاستفهام أربعين يومًا، أو أربعين كذا في نسخة شهرًا، أو أربعين سنة.
وللبزار من طريق أحمد بن عبدة الضبيّ، عن ابن عيينة عن أبي النضر: "لكان أن يقف أربعين خريفًا"، وجعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة، والشك في طريق غيره، دالًا على التعدد، وفي الحديث دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي لمعناه النهي الآكد والوعيد الشديد على ذلك، ومقتضاه أن يعد من الكبائر، وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فاته، وفيه استعمال "لو" في الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي؛ لأن محله أن يشعر بما يعاند المقدور، واستنبط ابن بطال من هو يعلم أن الإِثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه.
قال الحافظ: وأخذه من ذلك فيه بُعد، لكن هو معروف من أدلة أخرى، فظاهر الحديث: أن الوعيد يختص بمن مرَّ لا بمن وقف عامدًا مثلًا بين يدي المصلي، أو قعد أو رقد، لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلي، فهو معنى المار، وظاهره عموم النهي في كل مصلى.
وخصه بعض المالكية، يعني: ابن عبد البر بالإِمام والمنفرد، لا المأموم؛ لأن المأموم لا يضره بمن مرّ بين يديه؛ لأن سترة إمامه سترة له، والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعي؛ لأن السترة تفيد رفع الحرج على المصلي لا عن المار، والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، وكلاهما عن مالك، به كذا قاله الزرقاني.
* * *

273 - أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدْرِي، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يَدعْ أحدًا يمرّ بين يديه، فإن أبَى فَليُقاتِله، فإنما هو شيطان".

الصفحة 12