كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 2)

أغلب هذا" ويدل على كون المقاتلة بعد إتمام الصلاة، والفاء في قوله: "فليقاتله"، فإنها بمعنى "ثم" التي للتراخي الزماني. قال تعالى في سورة المؤمنون: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14]، فالفاء في هذه الآية بمعنى "ثم" للتراخي. فإنما هو شيطان"، أي: الذي يمر بين يدي المصلي باطل عمله، وخائب أمله، أي: لم ينل ما طلبه، فإن لفظ شيطان مأخوذ من شاط، بمعنى بطل، وقيل: من شياط، فمعناه أنه ممتلئ خبثًا وشرًا ونكرًا، كما قال تعالى في سورة الكهف: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74]، فإسناد شيطان إلى المارّ بين يدي المصلي حقيقة في الإِنس، فإن الشيطان على قسمين: أحدهما: شيطان الإِنس، والآخر (ق 270): شيطان الجن، كما قال تعالى في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} الآية [الأنعام: 112]، أو مجاز الجن، وهو من قسم الاستعارة التخيلية، وهي أن يثبت للمشبه أمر مختص للمشبه به من غير أن يكون في المشبه أمر متحقق حسّا أو عقلًا، فاستعير لفظ الشيطان لمن مرَّ بين يدي المصلي، وأُثبت للمار أمورٌ مختصة للشيطان من الغرور والإِغفال والإِضلال وإلقاء الفتنة بين الناس، وغير ذلك من الحيل والشرور، ولذلك بيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال المار بطريق الصفة على الموصوف بالقصر الإِفرادي بقوله: "إنما هو شيطان".
* * *

274 - أخبرنا مالك, حدثنا زيد بن أسْلَم، عن عَطاء بن يَسَار، عن كعب، أنه قال: لو كان يعلم المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه في ذلك، لكان أن يُخسف به خيرًا له.
قال محمد: يكره أن يمرّ الرجل بين يدي المصلي، فإن أراد أن يمرّ بين يديه، فَلْيَدْرأه ما استطاع ولا يقاتله، فإن قاتله كان ما يدخل عليه في صلاته من قتاله إياه أشد عليه من أن يمرّ هذا بين يديه، ولا نعلم أحدًا رأى قتاله، إلَّا ما رُوِيَ عن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وليست العامّة عليها، ولكنها على ما وصَفْت لك، وهو قولُ أبي حنيفة.

الصفحة 14