كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 2)

وقدم هارون الرشيد الرقة فاجتمع الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة، وأشرفت أم ولد لهارون الرشيد من "تبرج" فصرخت فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة، يقال له: عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
وأتى زمزم فاستقى ثم استقبل الكعبة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموال، حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ماء زمزم لما شُرِبَ له"، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شربه.
وكان إذا قرأ كتاب (الرقاق) فكأنه بقرة منخورة، أي: يصوت صوت البقرة من البكاء.
سأل رجل سفيان الثوري عن مسألة، فقال: من أين أنت؟ قال: من المشرق، قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق، قال: من هو؟ قال: ابن المبارك، قال: هو أعلم أهل المشرق، قال: نعم وأهل المغرب. وقال سفيان الثوري: نظرتُ في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيتُ (ق 284) لهم عليه فضلًا إلا بصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغزوهم معه، وإني لأشتهي أن أكون سنة واحدة مثله فما أقدر، ولا ثلاثة أيام.
قيل له: إلى متى تكتب الحديث؟ [فقال] (¬1): لعل الحكمة التي أنتفع بها ما كتبتها بعد، وقال: خرج أهل الدنيا منها قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله تعالى، وقال: لأن أرد درهمًا من شبهة أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف حتى أبلغ إلى ستمائة ألف، وقيل له: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء، قال له رجل: أوصني، قال: اعرف قدرك، وقال له رجل: هل بقي من ينصح؟ فقال: هل تعرف من يقبل؟. . كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في (طبقاته) (¬2).
أن أبا بكْرَة رضي الله عنه، بالتاء بعد الراء، صحابي من أهل ثقيف، نزل يوم الطائف ببكرة وأسلم فكَنَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكرة، وأعتقه، فهو من مواليه، ركع دون الصفّ أي: بقرب الصف، قبل أن يصل إليه، ثم مَشَى حتى وصل الصفّ، فلما قَضَى صلاته أي: أداها، كما قال تعالى في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
¬__________
(¬1) كلمة زدناها ليست في المخطوط ليستقيم المعنى.
(¬2) انظر: صفة الصفوة (4/ 134).

الصفحة 38