كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 2)

عائشة، وبعثت بها إليه، فاشترى بها جارية، فولدت له بنيه محمدًا وأبا بكر وعمر، وكلهم يذكر بالصلاح والعبادة، ويحمل عنه الحديث، قال محمد: كابدتُ نفسي أربعين سنة، ثم استقامت، وكان ربما قام الليل يصلي ويقول: كم من عين الآن ساهرة في رزقي، وكان له جار مبتلى فكان يرفع صوته من الليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته: يا أحمد، فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة، وبينا هو ذات ليلة قائم يصلي، إذا استبكى فكثر بكاؤه، حتى فزع أهله، وسألوه: ما الذي أبكاه، فاستحجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم، فجاء، فقال: يا أخي، ما الذي أبكاك؟ فقال: مرت بي آية من كتاب الله تعالى، وهي قوله فى سورة الزمر: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، وأولها: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الزمر: 47]، فبكى أبو حازم واشتد بكاؤه، فقال بعض أهله جئنا بك لتفرج عنه (ق 322) فزدته، فأخبرهم ما أبكاهما، قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن ولده وولد ولده في دويراته ودويرات حوله، فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين أظهرهم.
وقال: بات أخي عمر يصلي، وبت أغمز رجل أمي، وما أحب ليلتي بليلة، وصلى على رجل فقيل له: تصلي على فلان؟ فقال: إني أستحي من الله تعالى أن يعلم مني أن رحمته تحجز عن أحد من خلقه، وقال: نعم العون على تقوى الله الغنى، وقيل له: أي العمل أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن، قيل: فما بقي مما تستلز؟ قال: الإِفضال على الإِخوان، وقال: الفقير يدخل بين الله وبين عباده، فلينظر كيف يدخل.
وقال ابن الماجشون: إن رؤية ابن المنكدر تنفعني في ديني، وجزع عند موته، فقيل له: لم تجزع؟ فقال: أخشى آية في كتاب الله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، فإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب، وأتاه صفوان وهو في الموت، فقال: كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه الأمر، وتجلى عن محمد حتى كان في وجهه المصابيح، ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عيناك، ثم قضى رحمه الله تعالى، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي، عن ربيعة عن عبد الله بن الهُدَيْرِ، (¬1) بالتصغير، التيمي، روى عن عمر وطلحة
¬__________
(¬1) انظر: التقريب (1/ 172).

الصفحة 97