كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 2)

يمين معنى؛ لأنه نوى اليمين، وصحت نيته لكون اللفظ محتملاً لليمين بإقامة حرف اللام مقام حرف الباء، فيجب العمل باللفظ المعنى كما في الهبة بشرط العوض، والعمل باللفظ والمعنى ليس من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأن اللفظ إذا صار مجازاً عن غيره تسقط حقيقته في نفسه، كالهبة المضافة إلى الحرة والعمل باللفظ والمعنى لا يوجب سقوط اعتبار اللفظ، بل يبقى اللفظ على حاله مقرراً في وصفه لكن زاد عليه شيء آخر كما في الهبة بشرط العوض، وقد وجد هذا الحد في مسألتناً؛ لأن حقيقة هذا اللفظ للنذر، ومتى نوى اليمين يبقى مقرراً على حاله، لكن يزاد عليه حرف القسم وهو الباء، أو تقام اللام مقام حرف الباء، فهذا من باب العمل باللفظ والمعنى، وإنه جائز، وإن نوى اليمين ولا نية في النذر، فعلى قول أبي يوسف يكون يميناً، ولا يكون نذراً؛ لأنه لا يرى الجمع، وقد تعين اليمين مراداً بنيته، فلا يبقى النذر مراداً.

وعلى قولهما: يكون يميناً ونذراً؛ لأنهما يريان الجمع ونيته اليمين صار معنى اليمين معتبراً في النذر، فيكون يميناً ونذراً، وإذا نذر بصوم كل خميس يأتي عليه، فأفطر خميساً واحداً، فعليه قضاؤه وكفارة يمين إن أراد يميناً مع النذر، وإن أفطر خميساً آخر، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن نية اليمين لما صحت في النذر عندهما صار كأنه قال: لله عليّ صوم كل خميس، وقال مع ذلك: والله لأصوم كل خميس، ولو صرح بالأمرين جميعاً، ثم أفطر جميعاً بقي النذر، ولم يبق اليمين؛ لأن يمين واحدة حيث فيها مرة، فلا تجب مرة أخرى، فلم تتكرر الكفارة، فأما القضاء إنما يجب بالإفطار، والإفطار قد تكرر، فيتكرر القضاء.
إذا قال: لله عليّ صوم الأبد يفطر أيام العيد، ويطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من حنطة؛ لأنه وقع الناس عن قضاء هذه الأيام بالصوم، فيفدي كما في الشيخ الفاني هكذا ذكر في صوم «الأصل» .
وفي «المنتقى» : هشام عن محمد فيمن جعل على نفسه صوم الأبد، فأفطر يوم الفطر ويوم الأضحى لا يطعم عن هذه الأيام في حياته، وعليه أن يقضي أن يطعم بخلاف الشيخ الفاني، فإنه يطعم في حياته. إذا قال: لله عليّ أن أصوم جمعة إن أراد أيام الجمعة يلزمه صوم جمعة، وإن أراد أيام الجمعة يلزمه سبعة أيام، وإن أراد به يوم الجمعة يلزمه صوم يوم الجمعة، وإن لم يكن له نية يلزمه صوم سبعة أيام؛ لأن الجمعة تذكر، ويراد بها يوم الجمعة، وتذكر ويراد بها الأيام السبعة لكن الأيام السبعة أغلب، فانصرف المطلق إليه، إذا قال: لله عليّ أن أصوم شهراً مثل شهر رمضان إن نوى المماثلة في التتابع يلزمه صوم شهر متتابعاً، وإن نوى المماثلة في العدد، أو لم يكن له نية يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً إن شاء متفرقاً، وإن شاء متتابعاً.

وهو نظير ما ذكر في أيمان «الفتاوى» : إذا قالت المرأة: إن كلمت فلاناً عليّ صوم شهر كشهر رمضان، فكلمت فلاناً، فإن شاءت فرقت، وإن شاءت تابعت إلا إذا نوت التتابع والفرق النية إلى أصل الوجوب وإلى العدد لا إلى صفة الواجب به إذا نوت.

الصفحة 403