كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 2)

من الأعذار الخروج للغائط والبول أولى، والجمعة، فبعد ذلك ينظر إن كان منزله بعيداً من الجامع يخرج حين يرى أنه يبلغ الجامع عند البداء، فإن كان منزله قريباً يخرج حين تزول الشمس،
وفي «القدوري» : يخرج عند الأذان، فيكون في المسجد مقدار ما يصلي أربعاً أو ستاً قبل الجمعة الأربع السنة والركعتان تحية المسجد، وروي عن أبي حنيفة ما يصلي قبلها أربعاً، وبعدها أربعاً وذكر في «الأصل» أربعاً قبلها وأربعاً أو ستاً بعدها على حسب اختلاف الأخبار في النافلة بعد الجمعة،
ولو أقام في المسجد الجامع يوماً وليلة ينتقض اعتكافه؛ لأن الجامع محل ابتداء الاعتكاف، فيكون محل مقامه من طريق الأولى، ولا يخرج لأكل وشرب، ولا لعيادة المريض ولا لصلاة الجنازة، قيل: وينبغي أنه إذا لم يكن ثمة أحد يقوم بأمور الميت وبالصلاة عليه أنه يخرج، وإذا مرض، فليس له أن يخرج.
وإذا انهدم المسجد الذي هو فيه، أو أخرج منه، فدخل مسجداً آخر من ساعته صح استحساناً، والقياس في الإكراه أن يعيد، وإن صعد المئذنة للتأذين لا يفسد اعتكافه، وإن كان باب المئذنة خارج المسجد، كذا ذكر في «الأصل» ، وفي «أمالي الحسن بن زياد» عن أبي حنيفة أنه يبطل اعتكافه، وإذا خرج لغائط أو بول لا بأس بأن يدخل فيه، ويرجع إلى المسجد كلما فرغ من الوضوء، ولو مكث في بيته فسد اعتكافه، وإن كان ساعة عند أبي حنيفة؛ لأن بيته ليس بمحل لابتداء الاعتكاف، فالبقاء فيه بعد فراغه من الحاجة يبطل اعتكافه، ولو انتقل من مسجد إلى مسجد من غير عذر انتقض اعتكافه عند أبي حنيفة، وعندهما لا ينتقض، وهذا بناءً على أن عند أبي حنيفة الخروج ناقض للاعتكاف قليلاً كان أو كثيراً، وعندهما الخروج القليل ليس بناقض، وهذا كله في الاعتكاف الواجب،

فأما في الاعتكاف النفل، وهو أن يشرع فيه من غير أن يوجبه على نفسه لا بأس بأن يخرج بعذر وغير عذر، وهذا على ظاهر الرواية، فإن على ظاهر الرواية يقدر.... الاعتكاف بشيء، فإن محمد رحمه الله قال في «الأصل» : المعتكف بقدر تارك، له....: إذا خرج ولهذا لم يشرط الصوم على ظاهر الرواية لصحة اعتكاف النفل وعلى رواية الحسن عن أبي حنيفة اعتكاف النفل أقله مقدر بيوم، ولهذا شرط لصحت اعتكاف النفل الصوم.
ويحرم على المعتكف الجماع ودواعيه نحو المباشرة والتقبيل واللمس، الليل والنهار في ذلك على السواء، وبالجماع يفسد الاعتكاف على كل حال، واللمس والمباشرة تفسد الاعتكاف إذا أنزل، وإذا لم ينزل لا يفسد اعتكافه، ولو نظر فأنزل لم يفسد اعتكافه، والجماع ناسياً يفسد الاعتكاف كالجماع عامداً، والأكل ناسياً لا يفسد الاعتكاف؛ لأن الأكل ليس من محظورات الاعتكاف، بل هو من محظورات الصوم.

الصفحة 406