كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 2)

الظهر والعصر بعرفات، وبينهم وبين مكة فرسخات، ثم يقفون للدعاء فأنى يستجاب لهم، وأنى يرجى لهم الخير وصلاتهم غير جائزة، قال شمس الأئمة هذا: كنت مع أهل الموقف، فاعتزلت وصليت كل صلاة في وقتها كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وأوصيت بذلك أصحابي وإخواني والجهال كانوا يقصرون معه، وقد سمعت أن إمام مكة يتكلف كذلك، ويخرج مسيرة السفر، ثم يأتي عرفات ويقصر بهم، لو كان هكذا كان القصر جائزاً، ولو كان بخلافه لا يجوز، فيجب الاحتياط فيه.
ثم إذا فرغ من العصر راح إلى موقف، ويقف في أي مكان شاء إلا بطن عرنة لقوله عليه السلام «عرفات كلها موقف إلا بطن عرنة» (170أ1) . والأفضل أن يقف الإمام، ويقف بأي صفة شاء، والأفضل أن يقف راكباً، ويقف بمستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى، ويهلل ويصلي على النبي عليه السلام، ويدعو الله لحاجته رافعاً يديه نحو السماء، فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «قال رسول الله عليه السلام واقفاً بعرفات يدعو رافعاً يديه» الحديث، كالمستطعم المسكين، وليكن عامة دعائه بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، لا نعبد إلا إياه، ولا نعرف ما سواه، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم هذا مقام المستجير العائذ من النار أجرني من النار بعفوك، وأدخلني الجنة برحمتك، اللهم إذا هديتني للإسلام، فلا تنزعه عني حتى تقبضني وأنا عليه.

ويلبي في هذا الموقف عندنا، فقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه «أنه لبى في هذا الموقف، فقيل له: ليس هذا موضع التلبية، فقال: أجهل الناس أم طال بهم العهد لبيك عدد التراب لبيك، حججت مع رسول الله عليه السلام، فما زال يلبي حتى أتى جمرة العقبة» والأفضل أن يقف بقرب الإمام، ويقف بأيّ صفةٍ شاء، والأفضل أن يقف راكباً، ويقف مستقبل القبلة ويحمد اللَّه تعالى، ويهلل ويصلي على النبي عليه السلام، ويدعو الله لحاجته رافعاً يديه نحو السماء، ويكون الوقوف إلى غروب الشمس، ولم يرد به بيان امتداد وقت الوقوف يمد إلى طلوع الفجر من يوم النحر، حتى إن من لم يقف عرفة، ووقف ليلة النحر، فقد تم حجه، وإنما أراد به بيان امتداد نفس الوقوف، يعني: إذا وقف بعد الزوال ينبغي أن يقف إلى وقت غروب الشمس، فإذا غربت الشمس مشى على هينته حتى يأتي المزدلفة، فإن خاف الزحام، فتعجل في الذهاب قبل غروب الشمس، فلا بأس به إذا لم يخرج من حدود عرفات قبل غروب الشمس، فإذا خرج من حد عرفة قبل غروب الشمس، فعليه عندنا دم.

الصفحة 428