كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 2)

d

وفي «المنتقى» : إذا لبس قميصاً أكثر اليوم، فعليه دم في قول أبي حنيفة الأول ثم رجع، وقال: حتى يكون يوماً كاملاً وهو قول محمد، وعن محمد إذا لبس بعض اليوم، فإني أرى أن أحكم عليه من الدم مقدار لبسه، وعن أبي يوسف رحمه الله إذا لبس قميصاً أكثر من نصف يوم أو أكثر من نصف ليلة فعليه دم، وإن لبس ما لا يحل لبسه من المخيط يوماً أو أكثر بضرورة، فعليه أي الكفارات شاء وذلك إما النسك أو الصوم أو الصدقة، فإن اختار النسك أو الصوم أو الصدقة، فإن اختار النسك ذبح في الحرم، وإن اختار الصوم صام ثلاثة أيام في أي مكان شاء، وإن اختار الصدقة تصدق بثلاثة أصوع حنطة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والأفضل أن يتصدق على فقراء مكة، ولو تصدق على غير فقراء مكة جاز، وإن أطعم طعام الإباحة جاز عند أبي يوسف، وعند محمد لا يجوز قيل: قول أبي حنيفة كقول محمد رحمهم الله، ووجه ذلك أن هنا حق مالي شرع بلفظ الصدقة، فلا يتأدى بالتمليك قياساً على الزكاة.

وإن لبس ما لا يحل له لبسه من غير ضرورة أراق كذلك دماً، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، وإن اضطر إلى لبس قميص فلبس قميصين، فعليه كفارة الضرورة؛ لأن الزيادة في موضع الضرورة، فلا تصير جناية مبتدأة، وهذا هو الأصل في جنس هذه المسائل: أن الزيادة في موضع الضرورة لا تعتبر جناية مبتدأة، بل يجعل الكل للضرورة لا ينصب له الميزان، ويختلف الناس باختلاف أبدانهم وباختلاف الهواء في ذلك الوقت، والزيادة في غير موضع الضرورة تعتبر جناية مبتدأة حتى إنه إذا اضطر إلى لبسه قميصاً، فلبس قميصاً، ولبس معه عمامة أو قلنسوة، فعليه دم في لبس القلنسوة، وفي لبس القميص يخير في الكفارات يختار أي ذلك شاء؛ لأنهما مختاران، فيعتبر لكل لبس الحكم اللائق به، وإذا اضطر إلى لبس قميص، فلبسه فلما مضى اليوم ذهبت الضرورة، فتركه عليه حتى مضى يوم أو يوماً، فما دام في شك من الضرورة، فذلك ضرورة، وليس عليه إلا كفارة الضرورة، وإذا جاء اليقين أن الضرورة قد ذهبت عنه من قبل ... فلبس بعد ذلك، فعليه كفارتان كفارة الضرورة على قدر ما لبس، والكفارة الأخرى على قدر ما لبس.
ذكر هذه الجملة عيسى بن أبان عن محمد المحرم إذا لبس قميصاً أو جبة بالنهار، ونزعه بالليل لليوم ولبس من الغدو لم يعزم على ترك اللباس إنما نزعه لأجل اليوم، فعليه كفارة واحدة.
والحاصل أن لبس شيء واحد ما لم يتركه، ويعزم على الترك، فإذا تركه وعزم على الترك ثم لبسه، فهو لبس آخر أما بدون العزم على الترك، فهو لبس واحد، ومن هذا الجنس إذا لبس مخيطاً للضرورة أياماً، وكان ينزع بالليل للاستغناء من ذلك، فهذا كله جناية واحدة، بخلاف ما إذا نزع لزوال الضرورة، ثم اضطر إليه بعد ذلك ولبس، فإنه تلزمه كفارة أخرى؛ لأن حكم الضرورة الأولى قد انتهى بالرد، وكان اللبس الثاني جناية

الصفحة 447