كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 2)

الحشيش في الرعي، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف: لا بأس بالرعي، ولا بأس بأخذ كمأة الحرم ليس من نبات الأرض بل هو مودع فيه، ولا بأس بإخراج حجارة الحرم؛ لأن الانتفاع به جائز في الحرم، وما جاز الانتفاع به في الحرم جاز إخراجه عن الحرم.
وفي «المنتقى» : هشام عن محمد رحمه الله: لا بأس بإخراج تراب الحرم إلى الحل، ألا ترى أنه يخرج القدور والأراك، وتراب البيت وماء زمزم يستسقي به؟ قيل: هذا إذا أخرج قدراً يسيراً لطلب التبرك بحيث لا يفوت به عمارة المكان، فأما إذا أراد أن ينقل ما هو خارج عن العادة ويعمق المكان، فذلك من باب التخريب لا من باب التبرك فليس له ذلك، وليس للمدينة حرمة الحرم في حق الصيود، والأشجار ونحوها إنا ذلك ملكة خاصة، ألا ترى أنه لم تظهر حرمتها في حق إحرام الداخلين حتى جاز الدخول فيها من غير إحرام؟ فكذا في حق الصيود والأشجار،
وأما حكم أهل مكة في «المنتقى» هشام عن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة رحمه الله يقول: أكره إجارة بيوت مكة في أيام الموسم، وأرخص فيها في غير أيام الموسم، وهكذا روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة رحمهم الله، قال: وكان يقول يعني أبا حنيفة رحمه الله لهم: يعني للحاج أن ينزلوا عليهم في دورهم إذا كان لهم فضل، وإذا لم يكن لهم فضل فلا.

قال هشام: وإنما قال لهم أن ينزلوا عليهم في دورهم لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَهُ لِلنَّاسِ سَوَآء الْعَكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25) ، قال: وإنما فرق أبو حنيفة بين أيام الموسم وغيرها في كراهيته الإجارة والرخصة فيها؛ لأن في أيام الموسم يزدحم الخلق، وتقع الضرورة إلى النزول في مساكنهم، فأنزل منازلهم كالمملوكة للنازلين من وجه نظراً ورحمة لهم، وبعد أيام الموسم ترفع الضرورة، ثم هذه المسألة دليل على جواز إجارة البناء بدون الأرض؛ لأن الإجارة لا ترد على الأرض عند أبي حنيفة كالبيع، وإنما ترد على البناء ورخص فيها في غير أيام الموسم، قال هشام: وكان أبو حنيفة رحمه الله يكره الجوار بمكة؛ لأنها ليست بأرض هجرة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: أكره الجوار بمكة والمقام بها، وكان يقول: هاجر رسول الله عليه السلام منها.
وفي «المنتقى» أيضاً: هشام عن محمد رحمه الله: ليس لهم أن يبنوا بمنى شيئاً؛ لأنه مباح، قال عليه السلام: «منى مباح من سبق» وقوله: مباح لبيان الانتفاع كأنه يقول في صفة منى إنما ينبغي أن تكون مباحاً للخلق؛ وبه يتبين أن منى كاسمه لإراقة الدماء وإراقة الدماء مظنة على الصراط، والبناء ينقص عليهم كونه مباحاً. والله أعلم بالصواب.

الصفحة 459