كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 2)

الفصل الحادي عشر: في الإحصار
المحصر لغة: هو الممنوع عن الوصول إلى بيت الله تعالى بعد الإهلال بحجة أو عمرة، وحكمه في الشرع: أن يتحلل بشاة يبعث بها إلى الحرم، فتذبح هناك.

قال أهل التفسير: معنى قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (البقرة: 196) فإن أحصرتم فلكم التحلل بالهدي، ولا خلاف لأحد أن المحصر بالعدو يتحلل بالهدي.
وأما المحصر بالمرض هل يتحلل بالهدي؟ عندنا يتحلل، وعند الشافعي لا يتحلل، والمرض الذي يثبت الإحصار عندنا أن يقعده عن الركوب إلا بزيادة مرض، وهذا لأن التحلل للحصر بالعدو إنما يثبت كيلا يلزمه الزيادة على موجب إحرامه؛ لأنه إن اختار المضي خاف على نفسه وماله، وإن اختار الترك يبقى في الإحرام زماناً مديداً، وهو بالإحرام التزم الكف إلى وقت معلوم، فإذا اختار الترك يزداد الكف على ذلك الوقت، فيشرع له التحلل، لتبقى لك الزيادة هذا المعنى موجود في المريض؛ لأنه متى لم يمض يزداد الكف عن المحظورات، ولو أمضى تلحقه زيادة مرض، فشرع له التحلل لتبقى الزيادة.

ولا يلزم الذي ضل الطريق؛ لأن التحلل في حق المحصر بالهدي ينحر عنه في الحرم، وهو لا يجد من يبعث بالهدي إلى الحرم، ولو وجد لا يبقى محصراً؛ لأنه وجد الطريق، حتى قال مشايخنا رحمهم الله: لو كان الذي وجده فارساً، وهو لا يقدر على الذهاب معه جاز له أن يبعث بالهدي على يديه ليتحلل، ولا يلزم المحبوس بالدين؛ لأن المديون إنما يحبس إذا كان مليئاً مماطلاً وإذا كان مليئاً مماطلاً، (وإذا كان بهذه الصفة) ، فهو غير ممنوع؛ لأنه قادر على أن يقضي الدين ويخرج، حتى لو حبس ظلماً كان له أن يتحلل بالهدي كالممنوع بالعدو والمرض.
والمهِلَّة بالحج والعمرة إذا فقدت المحرم، وبينها وبين مكة مسيرة سفر تصير محصرة عندنا؛ لأنها صارت ممنوعة عن الذهاب شرعاً، وكذلك إذا أحرمت بحجة التطوع، ومنعها زوجها فهي محصرة؛ لأن حق المنع ثابت للزوج شرعاً وكان أولى بالاعتبار من المنع الباطل، وهو المنع من العدو، وله أن يحللها بما هو من محظورات الإحرام، وإذا حلله فعليها هدي وحجة وعمرة.
فرق بين حجة التطوع، وبين حجة الإسلام إذا صارت محصرة لانعدام زوجها معها لا يتحلل إلا بالهدي؛ لأن هناك المنع لحق الزوج، بل شرعا لعقد المحرم، فصار نظير

الصفحة 471