كتاب أحاديث ومرويات في الميزان 2 - حديث الفينة

لكن يُعَكِّر على هذا الإسناد أن رواية البصريين عن مَعْمَر فيها شيء ـ من أجله لا من أجلهم ـ
وهذا يرويه المعتمر بن سليمان التيمي، فإن كان محفوظاً، فيمكن حَمْلُه على أن عمرو بن مسلم الجَنَدي قد أضطرب فيه، والله أعلم بحقيقة الأمر.
ثم وجدته عند عبد الرزاق في "مصنفه" (7 / 226 ـ 227) عن معمر به، نحوه فصح بذلك عن معمر، والله المستعان.
أما حديث: " العجماء جبار ... " فهو متفق عليه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: " العجماء (¬1)
جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ".
¬_________
(¬1) العجماء هي كل الحيوان سوى الآدمي، وَسُمِّيَت البهيمةُ عجماء لأنها لا تتكلم، والجبار: الهدر. فأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: " العجماء جرحها جبار " فمحمول على ما إذا أتلفت شيئاً بالنهار، أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها، أو أتلفت شيئاً وليس معها أحد، فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث، والمراد بجرح العجماء إتلافها، سواء كان بجرح أو غيره.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " والبئر جبار " معناه أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيه إنسان أو غيره وَيَتْلَفُ فلا ضمان، فأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان فيجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر، وإن تَلَفَ بها غيرُ الآدميّ وجب ضمانه في مال الحافر، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " والمعدن جبار " معناه أن الرجل يحفر معدناً في ملكه أو في موات، فيمر بها مارٌ فيسقط فيها فيموت، أو يستأجر أجراء يعملون فيها، فيقع عليهم فيموتون، فلا ضمان في ذلك. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " وفي الركاز الخمس " الركاز هو دفين الجاهلية، أي فيه الخمس لبيت المال والباقي لواجده. قال النووي ـ رحمه الله ـ: وأصل الركاز في اللغة: الثبوت. وما تقدم كله من تعليق الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي ـ رحمه الله ـ على "صحيح مسلم" (3/1334) بتصرف يسير، وهو مختصر من شرح النووي ـ رحمه الله ـ ومما زاده على ذلك النووي في "شرح صحيح مسلم" (11/2206) في القطعة الأخيرة: " ففيه تصريح بوجوب الخمس فيه، وهو زكاة عندنا، والركاز هو دفين الجاهلية، وهذا مذهبنا ومذهب أهل الحجاز وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة وغيره من أهل العراق: هو المعدن وهما عندهم لفظان مترادفان، وهذا الحديث يرد عليهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما وعطف أحدهما على الآخر، وأصل الركاز ... " إلخ. والله أعلى وأعلم.

الصفحة 75