كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وأبتغى الشَّيْء تيَسّر وتسهل وبغى الشَّيْء بغوا نظر إِلَيْهِ كَيفَ هُوَ وَفِي الْجَامِع للقزاز أبغني كَذَا أَي أَعنِي عَلَيْهِ واطلبه معي وَفِي الواعي لعبد الْحق الإشبيلي الْبغاء الطّلب قلت بِالضَّمِّ وَفِي الصِّحَاح كل طلبة بغاء بِالضَّمِّ وبالمد وبغاية أَيْضا وابتغيت الشَّيْء وتبغيته إِذا طلبته قَالَ سَاعِدَة بن جوية الْهُذلِيّ
(سِبَاع تبغى النَّاس مثنى وموحد ... )
قَوْله أستنفض على وزن أستفعل من النفض بالنُّون وَالْفَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ أَن يهز الشَّيْء ليطير غباره أَو يَزُول مَا عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ هَهُنَا أستنظف بهَا أَي أنظف بهَا نَفسِي من الْحَدث وَفِي الْمطَالع أبغي أحجارا أستنفض بهَا أَي أستنج بهَا مِمَّا هُنَالك ونفاضة كل شَيْء مَا نفضته فَسقط مِنْهُ وَفِي الواعي أستنفض بهَا أَي أستنجى بهَا وَهُوَ أَن ينفض عَن نَفسه أَذَى الْحَدث فَقَالَ هَذَا مَوضِع مستنفض أَي متبرز وَفِي كتاب ابْن طريف نفضت الأَرْض تتبعت مغانيها ونفضت الشَّيْء نفضا حركته ليسقط عَنهُ مَا علق بِهِ وَقَالَ المطرزي الاستنفاض الاستخراج ويكنى بِهِ عَن الِاسْتِنْجَاء وَقَالَ وَمن رَوَاهُ بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة فقد صحف قلت قَالَ الصغاني فِي الْعباب استنفاض الذّكر وانتقاصه استبراؤه مِمَّا فِيهِ من بَقِيَّة الْبَوْل قلت الأول بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَالثَّانِي بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْضا وَالثَّالِث بِالْقَافِ والمهملة وَذكر أَيْضا فِي بَاب نقص بِالْقَافِ والمهملة وَقَالَ أَبُو عبيد انتقاص المَاء غسل الذّكر بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ إِذا غسل بِالْمَاءِ ارْتَدَّ الْبَوْل وَلم ينزل وَإِن لم يغسل نزل مِنْهُ الشَّيْء بعد الشَّيْء حَتَّى يستبرىء (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله اتبعت النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جملَة وَقعت مقول القَوْل قَوْله وَخرج لِحَاجَتِهِ جملَة وَقعت حَالا بِتَقْدِير قد وَالتَّقْدِير وَقد خرج وَقد علم أَن الْفِعْل الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا فَلَا بُد فِيهِ من قد إِمَّا ظَاهِرَة أَو مقدرَة وَيجوز فِيهِ الْوَاو وَتَركه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ} وَالتَّقْدِير قد حصرت وَقد وَقع بِدُونِ الْوَاو قَوْله فَكَانَ لَا يلْتَفت بفاء الْعَطف فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره وَكَانَ بِالْوَاو فَإِن قلت مَا وَجه الْوَاو فِيهِ قلت للْحَال وَقَول بَعضهم وَكَانَ استئنافية غير صَحِيح على مَا لَا يخفى قَوْله فَقَالَ أبغني بوصل الْهمزَة وقطعها كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله أحجارا نصب على أَنه مفعول ثَان لأبغنى قَوْله أستنفض مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَيجوز رَفعه على الِاسْتِئْنَاف قَوْله أَو نَحوه بِالنّصب لِأَنَّهُ مقول القَوْل وَهُوَ فِي الْمَعْنى جملَة وَالتَّقْدِير أَو قَالَ نَحْو قَوْله أستنفض بهَا وَذَلِكَ نَحْو قَوْله أستنجي بهَا وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ أستنجي بهَا والتردد فِيهِ من بعض الروَاة قَوْله بِطرف ثِيَابِي الْبَاء ظرفية (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله فَكَانَ لَا يلْتَفت أَي فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَشى لَا يلْتَفت وَرَاءه وَكَانَ هَذَا عَادَة مَشْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله فدنوت مِنْهُ أَي قربت مِنْهُ لأستأنس بِهِ وأقضي حَاجته وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ أستأنس فَقَالَ من هَذَا قلت أَبُو هُرَيْرَة قَوْله فَقَالَ أبغني أحجارا وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ ائْتِنِي قَوْله وَلَا تأتني بِعظم كَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خشِي أَن يفهم أَبُو هُرَيْرَة من قَوْله أستنفض بهَا أَن كل مَا يزِيل الْأَثر وينقي كَاف وَلَا اخْتِصَاص لذَلِك بالأحجار فنبه باقتصاره فِي النَّهْي على الْعظم والروث على أَن مَا سواهُمَا يجزىء وَلَو كَانَ ذَلِك مُخْتَصًّا بالأحجار كَمَا يَقُول أهل الظَّاهِر وَبَعض الْحَنَابِلَة لم يكن لتخصيص هذَيْن بِالنَّهْي معنى قَالَ الْخطابِيّ وَفِي النَّهْي عَنْهُمَا دَلِيل على أَن أَعْيَان الْحِجَارَة غير مُخْتَصَّة بِهَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما أَمر بالأحجار ثمَّ اسْتثْنى هذَيْن وخصهما بِالنَّهْي دلّ على أَن مَا عداهما قد دخل فِي الْإِبَاحَة وَلَو كَانَت الْحِجَارَة مَخْصُوصَة بذلك لم يكن لتخصيصهما بِالذكر معنى وَإِنَّمَا جرى ذكر الْحِجَارَة وسيق اللَّفْظ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَت أَكثر الْأَشْيَاء الَّتِي يستنجى بهَا وجودا وأقربها تناولا وَقَالَ أهل الظَّاهِر الْحجر مُتَعَيّن لَا يجزىء غَيره وَقَالَ أَصْحَابنَا الَّذِي يقوم مقَام الْحجر كل جامد طَاهِر مزيل للعين لَيْسَ لَهُ حُرْمَة وَقَالَ ابْن بطال لما نهى عَنْهُمَا دلّ على أَن مَا عداهما بخلافهما وَإِلَّا لم يكن لتخصيصهما فَائِدَة تدبر. فَإِن قيل إِنَّمَا نَص عَلَيْهِمَا تَنْبِيها على أَن مَا عداهما فِي مَعْنَاهُمَا قُلْنَا هَذَا لَا يجوز لِأَن التَّنْبِيه إِنَّمَا يُفِيد إِذا كَانَ فِي المنبه عَلَيْهِ معنى المنبه لَهُ وَزِيَادَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تقل لَهما أُفٍّ} وَلَيْسَ فِي سَائِر الطاهرات مَعْنَاهُمَا فَلم يَقع التَّنْبِيه عَلَيْهِمَا انْتهى قلت التَّعْلِيل فِي الْعظم والروث إِن كَانَ هُوَ كَونهمَا من طَعَام الْجِنّ على مَا سَيَجِيءُ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي المبعث فِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَن فرغ مَا بَال الْعظم والروث قَالَ هما من طَعَام الْجِنّ فَيلْحق بهما سَائِر المطعومات للآدميين بطرِيق الْقيَاس وَكَذَا المحترمات كأوراق كتب الْعلم وَإِن كَانَ هُوَ النَّجَاسَة فِي الروث

الصفحة 299