كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)
اشْتِرَاط الْعدَد عَن الْفَائِدَة قُلْنَا أَن ذكر الثَّلَاث لم يكن للاشتراط بل للِاحْتِيَاط إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ الْآن قَوْله وَنَظِيره الْعدة بالإقراء غير مُسلم لِأَن الْعدَد فِيهِ شَرط بِنَصّ الْقُرْآن والْحَدِيث وَلم يُعَارضهُ نَص آخر بِخِلَاف الْعدَد هَهُنَا لِأَنَّهُ ورد من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج فَهَذَا لما دلّ على ترك أصل الِاسْتِنْجَاء دلّ على ترك وَصفه أَيْضا بِالطَّرِيقِ الأولى. وَقَالَ بَعضهم اسْتدلَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ على عدم اشْتِرَاط الثَّلَاثَة قَالَ لِأَنَّهُ لَو كَانَ شرطا لطلب ثَالِثا كَذَا قَالَه وغفل عَمَّا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده من طَرِيق معمر عَن أبي إِسْحَق عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود فِي هَذَا الحَدِيث فَإِن فِيهِ فَألْقى الروثة وَقَالَ أَنَّهَا ركس ائْتِنِي بِحجر وَرِجَاله ثِقَات أثبات وَقد تَابع معمرا عَلَيْهِ أَبُو شيبَة الوَاسِطِيّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وتابعهما عمار بن زُرَيْق أحد الثِّقَات عَن أبي إِسْحَق قلت لم يغْفل الطَّحَاوِيّ عَن ذَلِك وَإِنَّمَا الَّذِي نسبه إِلَى الْغَفْلَة هُوَ الغافل وَكَيف يغْفل عَن ذَلِك وَقد ثَبت عِنْده عدم سَماع أبي إِسْحَق عَن عَلْقَمَة فَالْحَدِيث عِنْده مُنْقَطع والمحدث لَا يرى الْعَمَل بِهِ وَأَبُو شيبَة الوَاسِطِيّ ضَعِيف فَلَا يعْتَبر بمتابعته فَالَّذِي يَدعِي صَنْعَة الحَدِيث كَيفَ يرضى بِهَذَا الْكَلَام وَقد قَالَ أَبُو الْحسن بن الْقصار الْمَالِكِي روى أَنه أَتَاهُ بثالث لَكِن لَا يَصح وَلَو صَحَّ فالاستدلال بِهِ لمن لَا يشْتَرط الثَّلَاثَة قَائِم لِأَنَّهُ اقْتصر فِي الْمَوْضِعَيْنِ على ثَلَاثَة فَحصل لكل مِنْهُمَا أقل من ثَلَاثَة وَقَول ابْن حزم هَذَا بَاطِل لِأَن النَّص ورد فِي الِاسْتِنْجَاء وَمسح الْبَوْل لَا يُسمى استنجاء بَاطِل على مَا لَا يخفى ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل واستدلال الطَّحَاوِيّ أَيْضا فِيهِ نظر لاحْتِمَال أَن يكون اكْتفى بِالْأَمر الأول فِي طلب الثَّلَاثَة فَلم يجدد الْأَمر بِطَلَب الثَّالِث أَو اكْتفى بِطرف أَحدهمَا عَن الثَّالِث لِأَن الْمَقْصُود بِالثَّلَاثَةِ أَن يمسح بهَا ثَلَاث مسحات وَذَلِكَ حَاصِل وَلَو بِوَاحِد وَالدَّلِيل على صِحَّته أَنه لَو مسح بِطرف وَاحِد ثمَّ رَمَاه ثمَّ جَاءَ شخص آخر فَمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بِلَا خلاف قلت نظره مَرْدُود عَلَيْهِ لِأَن الطَّحَاوِيّ اسْتدلَّ بِصَرِيح النَّص لما ذهب إِلَيْهِ وبالاحتمال الْبعيد كَيفَ يدْفع هَذَا وَقَوله لِأَن الْمَقْصُود بِالثَّلَاثَةِ أَن يمسح بهَا ثَلَاث مسحات يُنَافِيهِ اشتراطهم الْعدَد فِي الْأَحْجَار لأَنهم مستدلون بِظَاهِر قَوْله وَلَا يسْتَنْج أحدكُم بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار وَقَوله وَذَلِكَ حَاصِل وَلَو بِوَاحِد مُخَالف لصريح الحَدِيث فَهَل رَأَيْت من يرد بمخالفة ظَاهر حَدِيثه الَّذِي يحْتَج بِهِ على من يحْتَج بِظَاهِر الحَدِيث بطرِيق الِاسْتِدْلَال الصَّحِيح وَهل هَذَا إِلَّا مُكَابَرَة وتعنت عصمنا الله من ذَلِك وَمن أمعن النّظر فِي أَحَادِيث الْبَاب ودقق ذهنه فِي مَعَانِيهَا علم وَتحقّق أَن الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم وَأَن المُرَاد الانقاء لَا التَّثْلِيث وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَكَاهُ الْعَبدَرِي وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة ايضا (وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يُوسُف عَن أبي إِسْحَاق حَدثنِي عبد الرَّحْمَن) هَذَا مَوْجُود فِي غَالب النّسخ ذكره أَبُو مَسْعُود وَخلف وَغَيرهمَا عَن البُخَارِيّ وَلَيْسَ بموجود فِي بَعْضهَا وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق الرَّد على من زعم أَن أَبَا إِسْحَق دلّس هَذَا الْخَبَر كَمَا حكى ذَلِك عَن الشَّاذكُونِي كَمَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى فَإِنَّهُ صرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ وَقد اسْتدلَّ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا على صِحَة سَماع أبي إِسْحَق لهَذَا الحَدِيث من عبد الرَّحْمَن لكَون يحيى الْقطَّان رَوَاهُ عَن زُهَيْر ثمَّ قَالَ وَلَا يرضى الْقطَّان أَن يَأْخُذ عَن زُهَيْر مَا لَيْسَ بِسَمَاع لأبي إِسْحَق كَمَا ذَكرْنَاهُ وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَق بن أبي إِسْحَق السبيعِي الْهَمدَانِي الْكُوفِي روى عَن أَبِيه وجده وَعنهُ أَبُو كريب وَجَمَاعَة فِيهِ لين أخرجُوا لَهُ سوى ابْن مَاجَه مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَأَبُو يُوسُف الْكُوفِي الْحَافِظ روى عَن جده وَالشعْبِيّ وَعنهُ ابْن عُيَيْنَة وَغَيره مَاتَ فِي زمن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَيُقَال توفّي سنة سبع وَخمسين وَمِائَة وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن الْأسود الْمُتَقَدّم ذكره وَقَالَ الْكرْمَانِي هَذِه مُتَابعَة نَاقِصَة ذكرهَا البُخَارِيّ تَعْلِيقا فَإِن قلت قد تكلم فِي إِبْرَاهِيم قَالَ عَيَّاش إِبْرَاهِيم عَن يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ النَّسَائِيّ إِبْرَاهِيم لَيْسَ بِالْقَوِيّ قلت يحْتَمل فِي المتابعات مَا لَا يحْتَمل فِي الْأُصُول انْتهى كَلَامه. قلت لأجل مُتَابعَة يُوسُف الْمَذْكُور حفيد أبي إِسْحَق زُهَيْر بن مُعَاوِيَة رجح البُخَارِيّ رِوَايَة زُهَيْر الْمَذْكُورَة وتابعهما أَيْضا شريك القَاضِي وزَكَرِيا بن أبي زَائِدَة وَغَيرهمَا وتابع أَبَا إِسْحَق على رِوَايَته عَن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور لَيْث بن أبي سليم أخرجه ابْن أبي شيبَة وَحَدِيثه يستشهد بِهِ وَلما اخْتَار فِي رِوَايَة زُهَيْر طَرِيق عبد الرَّحْمَن على طَرِيق أبي عُبَيْدَة دلّ على أَنه عَارِف بالطريقين وَأَن رِوَايَة عبد الرَّحْمَن عِنْده أرجح وَالله أعلم (تمّ الْجُزْء الثَّانِي وَالْحَمْد لله
الصفحة 305
314