كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَقد تقدم. الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، الوضاح الْيَشْكُرِي، وَقد تقدم. الثَّالِث: أَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، جَعْفَر بن إِيَاس الْيَشْكُرِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي وحشية، والواسطي. وَقيل: الْبَصْرِيّ. قَالَ أَحْمد وَيحيى وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الرَّابِع: يُوسُف بن مَاهك ابْن بهزاد، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل بضَمهَا أَيْضا، وَالْأول أصح، وبالزاي الْمُعْجَمَة، الْفَارِسِي الْمَكِّيّ، نزلها. سمع ابْن عمر وَابْن عَمْرو وَعَائِشَة وَغَيرهَا، وَسمع أَبَاهُ مَاهك. قَالَ يحيى: ثِقَة، توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة. روى لَهُ الْجَمَاعَة. ويوسف فِيهِ سِتَّة أوجه، وَقد ذَكرنَاهَا. وماهك: بِفَتْح الْهَاء، غير منصرف لِأَنَّهُ اسْم اعجمي علم، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ منصرف، وَقَالَ بَعضهم: فَكَأَنَّهُ لحظ فِيهِ الْوَصْف وَلم يبين مَاذَا الْوَصْف، وَقد أَخذ هَذَا من كَلَام الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِن قلت: العجمة والعلمية فِيهِ عقب قَول الْأصيلِيّ إِنَّه منصرف! ؟ قلت: شَرط العجمة مَفْقُود. وَهُوَ العلمية فِي العجمية. لِأَن مَاهك مَعْنَاهُ القمير، فَهُوَ إِلَى الْوَصْف أقرب. قلت: كل مِنْهُمَا لم يُحَقّق كَلَامه، وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن من يمنعهُ الصّرْف يُلَاحظ فِيهِ العلمية والعجمة، أما العلمية فَظَاهر، وَأما العجمة فَإِن مَاهك بِالْفَارِسِيَّةِ تَصْغِير ماه، وَهُوَ الْقَمَر بالعربي، وقاعدتهم أَنهم إِذا صغروا الِاسْم أدخلُوا فِي آخِره الْكَاف، وَأما من يصرفهُ فَإِنَّهُ يُلَاحظ فِيهِ معنى الصّفة، لِأَن التصغير من الصِّفَات، وَالصّفة لَا تجامع العلمية، لإن بَينهمَا تضاداً، فَحِينَئِذٍ يبْقى الِاسْم بعلة وَاحِدَة فَلَا يمْنَع من الصّرْف، وَلَو جوز الْكسر فِي الْهَاء يكون عَرَبيا صرفا، فَلَا يمْنَع من الصّرْف أصلا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون اسْم فَاعل، من مهكت الشَّيْء أمهكه مهكاً إِذا بالغت فِي سحقه، قَالَه ابْن دُرَيْد، وَفِي (الْعباب) : مهكت الشَّيْء إِذا ملسته، أَو يكون من مهكة الشَّبَاب، بِالضَّمِّ: وَهُوَ امتلاؤه وارتواؤه ونماؤه،، وَذكر الصغاني هَذِه الْمَادَّة، ثمَّ قَالَ عقيبها: ويوسف بن مَاهك من التَّابِعين الثِّقَات، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه عَرَبِيّ مَعَ كَون الْهَاء مَفْتُوحَة بِأَن يكون علما مَنْقُولًا من مَاهك، وَهُوَ فعل مَاض من المماهكة، وَهُوَ: الْجهد فِي الْجِمَاع من الزَّوْجَيْنِ، فعلى هَذَا لَا يجوز صرفه أصلا للعلمية، وَوزن الْفِعْل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَاهك اسْم أمه، وَالْأَكْثَر على أَنه اسْم أَبِيه، وَاسم أمه مُسَيْكَة. وَعَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ: أَن يُوسُف بن مَاهك، ويوسف بن ماهان وَاحِد. قلت: فعلى قَول الدَّارَقُطْنِيّ يمْنَع من الصّرْف أصلا للعلمية والتأنيث. فَافْهَم. الْخَامِس: عبد اللَّه بن عَمْرو ابْن الْعَاصِ، وَقد تقدم.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي ومكي. وَمِنْهَا: أَن فِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْمُسْتَمْلِي: حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان عَارِم بن الْفضل، وَاقْتصر غَيره على أبي النُّعْمَان.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن اخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا عَن أبي النُّعْمَان، وَفِي الْعلم أَيْضا عَن مُسَدّد، وَفِيه: (وَقد ارهقتنا الصَّلَاة صَلَاة الْعَصْر) . وَفِي الطَّهَارَة عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل وَفِيه: (فَأَدْرَكنَا وَقد ارهقتنا الْعَصْر) . واخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن شَيبَان بن فروخ وَأبي كَامِل الجحدري عَن أبي عوَانَة. واخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن ابي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن أبي الْوَلِيد عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك عَن أَبى عوَانَة عَن أبي بشر عَنهُ، واخرجه الطَّحَاوِيّ عَن أَحْمد بن دَاوُد الْمَكِّيّ عَن سهل بن بكار عَن أبي عوَانَة بِهِ.
بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (تخلف) ، أَي: تَأَخّر خلفنا. قَوْله: (فادركنا) أَي لحق بِنَا، قَوْله: (وَقد ارهقتنا الصَّلَاة) أَي: غشيتنا الصَّلَاة، أَي حملتنا الصَّلَاة على أَدَائِهَا. وَقيل: قد أعجلتنا، لضيق وَقتهَا؛ وَقَالَ القَاضِي: وَمِنْه الْمُرَاهق، بِالْفَتْح فِي الْحَج وَيُقَال بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الَّذِي أعجله ضيق الْوَقْت أَن يطوف. وَفِي (الموعب) : قَالَ أَبُو زيد: رهقتنا الصَّلَاة، بِالْكَسْرِ، رهوقاً: حانت، وأرهقنا عَن الصَّلَاة إرهاقاً: أخرناها عَن وَقتهَا. وَقَالَ صَاحب (الْعين) : استأخرنا عَنْهَا حَتَّى يدنو وَقت الْأُخْرَى، ورهقت الشَّيْء رهقاً أَي: دَنَوْت مِنْهُ. وَفِي (الْمُحكم) : ارهقنا اللَّيْل دنا منا. ورهقتنا الصَّلَاة رهقاً: حانت وَفِي رهقتنا الصَّلَاة: غشيتنا. وَفِي (الِاشْتِقَاق) ، للرماني: أصل الرهق الغشيان، وكذ قَالَه الزّجاج، وَقَالَ أَبُو النَّصْر: رهقني دنا مني. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رهقته وأرهقته بِمَعْنى: دَنَوْت مِنْهُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رهقه، بِالْكَسْرِ، ويرهقه رهقاً، أَي: غشيه؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا يرهق وُجُوههم قتر وَلَا ذلة} (يُونُس: 26) وَقَالَ أَبُو زيد: أرهقه عسراً: إِذا كلفه إِيَّاه. يُقَال: لَا ترهقني لَا ارهقك، أَي: لَا تعسرني لَا أعسرك. وَقيل: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسرا} (الْكَهْف: 73) أَي: لَا تلْحق بِي، من قَوْلهم: رهقه الشَّيْء إِذا غشيه، وَقيل: لَا تعجلني، وَيَجِيء على قَوْله أبي زيد: لَا تكلفني. قَوْله: (ويل) ، يُقَابل وَيْح،

الصفحة 8