كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

وقيل هي ما يرى في شعاع الشمس إذا دخل النافذة، وقيل هو ما تحمله الريح من تراب ونحوه، وقيل هو حب الخردل، وقيل هو الهبأة «1».
وأما المثقال فهو تصريفا من فعل ثقل ومصدره إثقال، والمثقال هو الوزن وجمعه مثاقيل ويقال للآلة التي يوزن بها ميزان وأصله موزان ويجمع موازين ويجوز القول للواحد بصيغة الجمع، ومعناه يدل على الوزن قيل هو عشرون قيراطا وقيل غير ذلك.
ومثقال على وزن مفعال، وعند الصرفيين يحكم بزيادة الميم متى سبقت أكثر من أصلين ولم تلزم الاشتقاق كمحمود ومنطلق ومفتاح، وهذا الوزن عادة ما يستخدم أما اسم آلة أو صيغة مبالغة وهي ما يبالغ في وصف الحدث. فإذا كان الأول فإن معناه ما توزن به الذرة، وإن كان الثاني - وهو الأرجح - فمعناه المبالغة في تصغير الذرة «2».
وفي علم البلاغة هناك الحقيقة والمجاز ومعلوم أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وهنا فإن مثقال ذرة تحمل على المجاز استعارة كانت أم كناية «3». هذا فضلا على أن هناك جناسا تاما في الأمر وهو أن مثقال ذرة في النساء والزلزلة تتعلق بالأعمال وهي توزن وزنا يوم القيامة لقوله تعالى ونَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) (الأنبياء: 47)، بينما في يونس وسبأ فإنها تتعلق بحجم الأمور التي مهما صغرت فإنها لا تغيب عن ربها تبارك وتعالى على أنه في سبأ (22) يمكن حملها على الوزن والحجم معا. إذن فإن مثقال ذرة يمكن حملها على الوزن تارة وعلى الحجم تارة أخرى، وتارة كليهما.
وفي لفظ حديث الشفاعة الطويل يقول اللّه تعالى في الحديث القدسي: (ارجعوا فمن وجدتم في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار) فيخرج خلق كثير.
وأما قوله تعالى (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) فلا نافية بمعنى ليس، أي كل ما هو أصغر من
______________________________
(1) انظر مختار الصحاح للرازي ولسان العرب لابن منظور وتفاسير ابن عباس والجلالين والطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
(2) انظر شذا العرف في فن الصرف للحملاوي، والقرص المدمج (الصرف العربي)، وكذلك القرص المدمج (لسان العرب - الصرف - ) وهي من إصدارات الجامعة العربية.
(3) انظر التلخيص في علوم البلاغة للقزويني، دار الكتب العلمية، بيروت، وكذلك القرص المدمج (لسان العرب - البلاغة - ) وهو من إصدارات الجامعة العربية.

الصفحة 59