كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

السَّماواتِ والْأَرْضِ وما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29)، فقد قال أغلب المفسرين أنها الناس والملائكة وذهب البعض أن الدواب في الأرض فقط دون السماء وقال آخرون أنها قد تكون في السماء أيضا، بينما قال آخرون يقصد به التفرقة بين السماء والأرض على أن لفظ السماوات يشمل كل طبقاتها السبعة بدءا من الغلاف الجوي وانتهاء بالسماوات العلى. وعلى أية حال وبافتراض وجود حياة أخرى في الكون فإن الدواب في اللغة هو كل ما يدب على أرض ومن ضمنها النمل وهو يختلف عن الطير ويؤيد هذا قوله تعالى وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) (الأنعام: 38)، وفي النور (45) خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)، وإذن يستوجب هذا معنى آخر للذرة غير النملة والخردل وما تحمله الريح والهبأة وغير ذلك من التفاسير التي ذكرناها في معنى الذرة وهو على الأرجح ما ذهبنا إليه، واللّه أعلم.
2 - 2. الدليل القرآني في صغر المواد التي لا تبصرها العين البشرية:
يقول اللّه تعالى في سورة الحاقة (38، 39) فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وما لا تُبْصِرُونَ (39).
و (ما) في الآية كما معروف تستخدم لغة لغير العاقل والنملة يمكن أن تبصرها مهما صغرت فما بالك بأهل البادية الذين يمتلكون بصرا ثاقبا، إذن الذرة تدخل ضمن ما لا نبصر، واللّه أعلم.
2 - 3. الدليل القرآني في الزوجية في كل شيء:
كما رأينا آنفا فقد أثبت العلم أن لكل شيء نظيره وضديده، فإذا كان الإنسان يرى وجهه في المرآة وظله على الأرض، فإن للمادة نفس هذه الخاصية في جدلية عجيبة، ومضاد المادة هذا ليس روحا ولا ظلا ولكنه مادة مثل المادة الأصلية، ولكن بشكل متناظر يرجع فيه التناظر إلى البناء المقلوب للذرة «1».
يقول اللّه تعالى ومِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) (الذاريات: 49)،
______________________________
(1) د. خالص جلبي ود. هاني رزق، الإيمان والتقدم العلمي، دار الفكر المعاصر، بيروت، بتصرف.

الصفحة 62