كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

2 - 14. الدليل القرآني في الأواصر التي تتشكل منها الجزيئات والمواد:
يقول اللّه تعالى في سورة الصف إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)، هنا تشبيه بلاغي رائع أي أنهم يكادون يكونون بنفس القانون والسنة الإلهيتين في تراص وبناء الذرة والجزيئة والعناصر والمركبات والمواد باختلاف أنواعها، واللّه أعلم .. يقول صاحب الظلال في تفسير هذه الآية المباركة: (وهذه الصورة التي يحبها اللّه للمؤمنين ترسم لهم طبيعة دينهم وتوضح لهم معالم الطريق وتكشف لهم عن طبيعة التضامن الوثيق الذي يرسمه التعبير القرآني المبدع صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) بنيان تتعاون لبناته وتتضامن وتتماسك وتؤدي كل لبنة دورها وتسد ثغراتها لأن البنيان كله ينهار إذا تخلت فيه لبنة عن مكانها تقدمت أو تأخرت سواء وإذا تخلت منه لبنة عن أن تمسك بأختها تحتها أو فوقها أو على جانبيها سواء انه التعبير المصور للحقيقة لا لمجرد التشبيه العام، التعبير المصور لطبيعة الجماعة ولطبيعة ارتباط الأفراد في الجماعة، ارتباط الشعور وارتباط الحركة داخل النظام المرسوم المتجه إلى هدف مرسوم) «1».
وإذا ربطنا هذه الآية المباركة بحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» «2». فإذن المطلوب هو تحول الجماعة المؤمنة إلى كتلة واحدة وجزء واحد لا ينفصم تربطه آصرة الأخوة والإيمان كما تربط الجسد الواحد والكتلة الواحدة أواصر معينة. ومعروف لدى الإخوة المهندسين إن آصرة الربط بين اللبنات أو الكتل البنائية والمونة المستخدمة للبناء كالجص والسمنت والنورة وغيرها تعتمد على توزيع الكتل البنائية من جهة وعلى المكونات الكيميائية للمونة التي تعمل على لصق الأجزاء والكتل البنائية بعضها ببعض، فالترتيب الخاص بالكتل البنائية فيه مدارس وأنواع مختلفة فهناك المدرسة الإنكليزية والألمانية وغيرها وتختلف هذه المدارس بكيفية ترتيب الكتل البنائية بحيث أنها تنقل الأحمال بشكل يمنع التشقق والفطور التي تظهر
______________________________
(1) تفسير الظلال، سيد قطب، ج/ 6، ص 3555.
(2) أخرجه البخاري في الأدب (6011)، مسلم في البعد والصلة والآداب (2586)، أحمد في مسند الكوفيين (17891).

الصفحة 74