كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

بالجدار من أن تنتقل بصورة شاقولية على مساحة قليلة تؤدي إلى مضاعفة الإجهادات المسلطة وبالتالي تؤدي إلى الفشل والانهيار للجدار ككل.
الصف بلغة العرب أي التراص والترابط بخطوط متوازية أو متقاطعة، يقول الإمام الرازي في مختار الصحاح باب (صفف): (الصف) واحد، (الصفوف) و (صافوهم في القتال)، و (المصف) الموقف في الحر والجمع (المصاف)، و (صفّ) القوم في باب ردّ (فاصطفوا) أي أقامهم صفا. (صفت) الإبل قوائمها فهي (صافة) و (صواف) «1». فالصف هنا أي الترابط ولا يشترط أن يكون بخط واحد كما في قوله تعالى: وجاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)، (الفجر: 22)، وقوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ، (النبأ:
38). وإنما تعني الكلمة الانتظام بشكل متراص وبخطوط متوازية متراصة.
أما البناء فقد وردت هذه الكلمة العظيمة في القرآن الكريم بكل تفاعيلها وصيغها (23) مرة، فجاءت في بناء السماء والإنسان والمجتمع، كما أن كلمة العمران تعني فيما تعنيه البناء والتشييد، فكلمة بنى في اللغة تعني كما أوردها الإمام الرازي رحمه اللّه:
(بنى) بيتا وبنى وبنى على أهله يبني (بناء) فيهما، والبنيان الحائط و (البنية) على فعيلة الكعبة يقال لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا، و (البنى) بالضم مقصور البناء يقال (بنية) و (بنى) و (بنية) و (بنى) بكسر الباء مقصور مثل جزية وجزى، وفلان صحيح (البنية) أي الفطرة «2». فقوله تعالى: والسَّماءِ وما بَناها (5)، إشارة إلى بنيان السماء وعظمتها من كواكب ونجوم وأفلاك ومجرات مبنية بناء مرصوصا عظيما، كما هو بقية خلق اللّه ومنها الإنسان بذراته ومكوناته ووظائف جسمه الأخرى، كلها مبنية بناء مرصوصا فكل شيء عنده بمقدار، ولم يبق للإنسان إلا أن يسير على صراط اللّه المستقيم الذي ارتضاه لعباده فيكون ضمن هذا البنيان المرصوص وكما أراده اللّه تعالى.
3 - الثوابت الذرية والنووية القرآنية «3»:
ذكرنا في كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم) أن في التوقيفات الربانية للبناء المحكم في تسلسل الكلمات والآيات والسور المباركات لأمر عجب، وأن هذا البناء
______________________________
(1) مختار الصحاح، الإمام الرازي، ص 365.
(2) مختار الصحاح، الرازي، ص 65 - 66.
(3) انظر كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم)، الباب الثاني، الفصل السادس والسابع.

الصفحة 75