كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار، وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العتاب. (عن تفسير الكشاف للزمخشري 4/ 31).
مما تقدم من كلام المفسرين أنهم أشاروا إشارة سريعة إلى بيان عظمة الخالق من خلال استخدام الشجر الأخضر للنار مع أن الشجر الأخضر يحوي على الماء الذي يطفئ النار.
يقول صاحب الظلال في تفسيره لهذه الآية:
(والمشاهد الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة التي يمرون عليها غافلين عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء، يدلك بعضه ببعض فيولد نارا، ثم يصير هو وقود النار بعد اللدونة والاخضرار، والمعرفة العلمية العميقة بطبيعة الحرارة التي يخزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية والتي يمتصها، ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة، والتي تولد النار عند الاحتكاك كما تولد النار عند الاحتراق .. هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزا في الحس ووضوحا. والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه. والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. غير إننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي. فلا تكشف لنا عن أسرارها العجيبة ولا تدلنا على مبدع الوجود. ولو فتحنا قلوبنا لباحت لنا بأسرارها ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح!).
وهنا لنتدبر الآية جيدا، لما ذا قال اللّه تعالى الشجر الأخضر أ ليس هذا من باب جلب انتباه المتلقي إلى التناقض بين الخضرة والماء من جهة وبين الاحتراق والنار من جهة أخرى وكيف يجتمعان في مكان واحد دون تأثير أحدهما على الآخر. والمعروف أن النار كانت معروفة منذ القدم وقبل مبعثه صلى اللّه عليه وسلم والناس اعتادوا حرق الأشجار اليابسة والأخشاب التالفة، أما كون استخدام الشجر الطري في الاشتعال لتخرج منه النار فهذا يجرنا على عملية تقصي الآية وتدبرها جيدا والعمل على إيجاد التأويل العلمي الدقيق لهذا.
5 - الضياء والنور في القرآن الكريم «1»
النور غير الضياء فالضوء يأتي من مصدر الضوء كالشمس مثلا، لذلك وصف اللّه تعالى الشمس بالسراج الوهاج، وأما القمر فلا يعطي الضوء من نفسه بل يعكسه فهو نور
______________________________
(1) انظر كتابنا (المنظار الهندسي للقرآن الكريم)، الباب الثاني، الفصل السادس والسابع.

الصفحة 84