كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

فحق عليه وصف القرآن الكريم بأنه نور. يقول اللّه تعالى:
* اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ويَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) (النور: 35). إن هذه الآية العظيمة ترتبط بما نراه اليوم رأي العين في مصابيح كهربائية وليزرية وغيرها وهذا التشبيه سماه اللّه تعالى مَثَلُ نُورِهِ وكلها أدوات تشبيه ولكنها على قدر عقولنا وعلومنا القاصرة لنور اللّه الحقيقي الذي لا ندركه إلا بكمال الإيمان ونور البصيرة .. لقد فسر السلف الصالح هذه الآية المباركة بتفسيرات متعددة نقتطف منها ما قاله القرطبي وابن كثير رحمهما اللّه، يقول القرطبي:
النور في كلام العرب: الأضواء المدركة بالبصر. واستعمل مجازا فيما صح من المعاني ولاح فيقال منه: كلام له نور. ومنه: الكتاب المنير. فيجوز أن يقال: للّه تعالى نور من جهة المدح لأنه أوجد الأشياء ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها وعنه صدورها وهو سبحانه ليس من الأضواء المدركة جل وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وقد قال هشام الجوالقي وطائفة من المجسمة: هو نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام. وهذا كله محال على اللّه تعالى عقلا ونقلا على ما يعرف في موضعه من علم الكلام. ثم إن قولهم متناقض؛ فإن قولهم جسم أو نور حكم عليه بحقيقة ذلك، وقولهم لا كالأنوار ولا كالأجسام نفي لما أثبتوه من الجسمية والنور؛ وذلك متناقض، وتحقيقه في علم الكلام.
والذي أوقعهم في ذلك ظواهر اتبعوها منها هذه الآية، وقول عليه السّلام إذا قام من الليل يتهجد «اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض». وقال صلى اللّه عليه وسلم وقد سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: «رأيت نورا». إلى غير ذلك من الأحاديث. اختلف العلماء في تأويل هذه الآية؛ فمنهم من قال: إن النور هو قدرة اللّه التي أنارت الدنيا فهي صفة له، وقال ابن عرفة والضحاك والقرظي ومجاهد والزهري وأبي بن كعب والحسن وأبو العالية قولا غير هذا، فمنهم من قال: منور السماوات والأرض، ومنهم من قال: مدبر الأمور، ومزين السماوات بالشموس والأفلاك والأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين، وقال

الصفحة 85