كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

تعالى لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. الثعلبي: وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا؛ لأنها بدل من الشجرة، فقال زَيْتُونَةٍ. وقال ابن زيد:
إنها من شجر الشأم؛ فإن شجر الشأم لا شرقي ولا غربي، وشجر الشآم هو أفضل الشجر، وهي الأرض المباركة، وشَرْقِيَّةٍ نعت (لزيتونة) ولا ليست تحول بين النعت والمنعوت، ولا غَرْبِيَّةٍ عطف عليه مبالغة في حسنه وصفائه وجودته .. ومنهم من قال أنها لا يهودية ولا نصرانية.
وعليه يكون التفسير: اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور. واعتقلت هذه الأنوار في المشكاة فصارت كأنور ما يكون فكذلك براهين اللّه تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه؛ كإرساله الرسل وإنزاله الكتب، ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر. ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده، وذكر تفضله لعباد في ضرب الأمثال لتقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان.
وبهذه الأقوال قال القرطبي وزاد على بعض واعترض على البعض الآخر فقال:
وكذلك في جميع الأقوال لعدم ارتباطه بالآية ما عدا القول الأول، وأن هذا مثل ضربه اللّه تعالى لنوره، ولا يمكن أن يضرب لنوره المعظم مثلا تنبيها لخلقه إلا ببعض خلقه لأن الخلق لقصورهم لا يفهمون إلا بأنفسهم ومن أنفسهم، ولو لا ذلك ما عرف اللّه إلا اللّه وحده، قاله ابن العربي. قال ابن عباس: هذا مثل نور اللّه وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإن مسته النار زاد ضوؤه، كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور؛ كقول إبراهيم من قبل أن تجيئه المعرفة: هذا رَبِّي، من قبل أن يخبره أحد أن له ربا؛ فلما أخبره اللّه أنه ربه زاد هدى، فقال له ربه: أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) (البقرة: 131). ومن قال إن هذا مثل للقرآن في قلب المؤمن قال: كما أن هذا المصباح يستضاء به ولا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به ولا ينقص فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفهمه والشجرة المباركة شجرة الوحي. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ تكاد حجج القرآن تتضح ولو لم يقرأ.

الصفحة 87