كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 2)

نُورٌ عَلى نُورٍ، يعني أن القرآن نور من اللّه تعالى لخلقه، مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نورا على نور .. أخبر أن هذا النور المذكور عزيز وأنه لا يناله إلا من أراد اللّه هداه فقال: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ويَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ، أي يبين الأشباه تقريبا إلى الأفهام. أي بالمهدي والضال. وروي عن ابن عباس أن اليهود قالوا: يا محمد، كيف يخلص نور اللّه تعالى من دون السماء فضرب اللّه تعالى ذلك مثلا لنوره «1».
أما ابن كثير فزاد على أقوال الآخرين باستدلاله ببعض الأحاديث الشريفة التي تؤيد اتجاهه في التفسير، فقال: قال السدي في قوله نُورٌ عَلى نُورٍ قال: نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضيء واحد بغير صاحبه كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه. وقوله تعالى: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ أي يرشد اللّه إلى هدايته من يختاره، وكما جاء في الأحاديث النبوية «2».
يقول الدكتور أحمد محمد إسماعيل حول هذه الآية: والنور هو الضوء وقوله تعالى نُورٌ عَلى نُورٍ واصفا ذاته العلية بوصف غاية في الدقة، فالموجات الضوئية تقع الواحدة بعد الأخرى لينتج عنها نوع من الطاقة تختلف في فصائلها عن المألوف ودليل ذلك قوله" يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار" أي أن الضوء الكوني غير قادر على رؤيته سبحانه. إننا نعيش في عالم صغير ومحدد في قوانينه وخصائصه وعالم اللّه وعلمه واسع وفسيح فيه من القوانين والأنظمة ما لا ندرك إلا الشيء القليل من ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وتبقى حقيقة تستحق التأمل في معنى قوله تعالى نُورٌ عَلى نُورٍ أي الضوء الطبيعي هو ألوان مختلفة لكل لون موجاته الخاصة به، انه موجات فوق أخرى (نُورٌ عَلى نُورٍ) وبتحليل الضوء إلى الموجات المكونة له إذا مر بمنشور زجاجي إلى ألوان الطيف الشمسي حيث ينفصل كل نور عن الآخر، فكيف إذا تداخلت موجات الضوء الطبيعي جميعها بطريقة لا علم لنا بها .. اللّه وحده يعلم «3»، ولنفس الآية يقول
______________________________
(1) تفسير القرطبي، سورة النور الآية 35.
(2) تفسير ابن كثير، سورة النور الآية 35.
(3) أنظمة رياضية في برمجة حروف القرآن الكريم، الدكتور المهندس أحمد محمد إسماعيل، ص 164.

الصفحة 88