كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 2)

وغزا أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتصم، عمورية، وَكَانَ من أَمر عجيف مَا كَانَ، فَقتله، واتصل الْخَبَر بكاتبه، فأطلقني.
فَخرجت من الْحَبْس، وَمَا أهتدي إِلَى حَبَّة فضَّة، فَمَا فَوْقهَا.
فقصدت صَاحب الدِّيوَان بسر من رأى، وَكَانَ صديقي، فَلَمَّا رَآنِي سر بإطلاقي وتوجع لي من سوء حَالي، وَعرض عَليّ مَالا.
فَقلت: بل تتفضل بتصريفي فِي شَيْء أستتر بجاريه.
فقلدني عملا بنواحي ديار ربيعَة، فاقترضت من التُّجَّار لما سمعُوا بِخَبَر ولايتي، مَا تحملت بِهِ إِلَى الْعَمَل، وَخرجت.
وَكَانَ فِي ضيَاع عَمَلي، ضَيْعَة تعرف بكراثا، فَنزلت بهَا فِي بعض طوافي بِالْعَمَلِ، وحصلت فِي دَار مِنْهَا، فَلَمَّا كَانَ السحر، وجدت المستحم ضيقا غير نظيف، فَخرجت من الدَّار إِلَى تل فِي الصَّحرَاء، فَجَلَست أبول عَلَيْهِ.
فَخرج إِلَيّ صَاحب الدَّار، فَقَالَ لي: أَتَدْرِي على أَي شَيْء تبول؟ قلت: على تل تُرَاب.
فَضَحِك، وَقَالَ: هَذَا قبر رجل يعرف بعجيف، قَائِد من قواد السُّلْطَان، كَانَ قد سخط عَلَيْهِ، وَحمله مَعَه مُقَيّدا، فَلَمَّا بلغ إِلَى هَاهُنَا قتل، فَطرح فِي هَذَا الْمَكَان تَحت حَائِط، فَلَمَّا انْصَرف الْعَسْكَر، طرحنا عَلَيْهِ الْحَائِط، لنواريه من الْكلاب، فَهُوَ - وَالله - تَحت هَذَا التل التُّرَاب.
فعجبت من بولِي خوفًا مِنْهُ، وَمن بولِي على قَبره.

الصفحة 28