كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 2)

فَقَالَت: يَا هَذَا، السَّاعَة أَمُوت، فَأخْرج، وَخذ لي شَيْئا أتقوى بِهِ.
فَخرجت أتخبط فِي الظلمَة والمطر، حَتَّى جِئْت إِلَى بقال فوقفت عَلَيْهِ، فكلمني بعد كل جهد، فشرحت لَهُ حَالي، فرحمني، وَأَعْطَانِي بِتِلْكَ الْقطعَة حلبة، وزيتا، أغلاهما عِنْده، وأعارني غضارة جعلته فِيهَا، فمشيت أُرِيد موضعي، فزلقت , فَانْكَسَرت الغضارة، وَذهب مَا فِيهَا.
فورد عَليّ أَمر عَظِيم، مَا ورد عَليّ مثله قطّ، وَأَقْبَلت ألطم، وأبكي، وأصيح، فَإِذا بِرَجُل قد أخرج رَأسه من شباك فِي دَار، وَقَالَ: وَيلك، مَالك تبْكي، مَا تدعنا ننام، فشرحت لَهُ قصتي.
فَقَالَ: هَذَا الْبكاء كُله بِسَبَب دانق وَنصف؟ فتداخلني من الْغم أَكثر من الأول، فَقلت: يَا هَذَا، وَالله، مَا لما ذهب عِنْدِي مَحل، وَلَكِن بُكَائِي رَحْمَة لنَفْسي مِمَّا دفعت إِلَيْهِ، وَإِن زَوْجَتي وَوَلَدي السَّاعَة يموتان جوعا، وَوَاللَّه، وَإِلَّا فعلي وَعلي، وَحلفت بأيمان مُغَلّظَة، لقد حججْت فِي سنة كَذَا، وَأَنا أملك من المَال، مَا ذهب مني هميان فِيهِ دَنَانِير وجواهر بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار، مَا فَكرت فِيهِ، وَهُوَ ذَا تراني الْآن أبْكِي بِسَبَب دانق وَنصف فضَّة، فاسأل الله الْعَافِيَة والسلامة، وَلَا تعيرني فتبتلى بِمثل بلواي.
فَقَالَ لي: بِاللَّه عَلَيْك، مَا كَانَ صفة هميانك؟ فلطمت رَأْسِي، وَقلت: مَا يقنعك مَا خاطبتني بِهِ وَمَا ترَاهُ من صُورَتي، وقيامي فِي الطين والمطر، حَتَّى تتلهى بِي، وَأي شَيْء يَنْفَعنِي وينفعك من صفة همياني، وَقد ضَاعَ من كَذَا وَكَذَا سنة، ومشيت.
وَإِذا هُوَ قد خرج يَصِيح بِي: تَعَالَى خُذ هَذَا، فقدرته يتَصَدَّق عَليّ، فَجِئْته.

الصفحة 375