كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 2)

شَيْء، كَانَ على الْمَائِدَة، إِلَّا وهب.
وَقد كَانَ غلمانه، لما نزلت الدَّار، أخذُوا جمالي، وَجَمِيع غلماني، فعدلوا بهم إِلَى دَار لَهُ، فَمَا أطاقوا ممانعتهم، وَبقيت وحدي، لَيْسَ بَين يَدي إِلَّا خَمْسَة أَو سِتَّة غلْمَان وقُوف على رَأْسِي.
فَقلت فِي نَفسِي: هَذَا جَبَّار عنيد، فَإِن امْتنع عَليّ من الشخوص، لم أطق إشخاصه بنفسي، وَلَا بِمن معي، وَلَا حفظه إِلَى أَن يلحقني أَمِير الْبَلَد، وَجَزِعت جزعا شَدِيدا، ورابني مِنْهُ استخفافه بِي، وتهاونه بأَمْري، وَأَن يدعوني باسمي، وَقلة اكتراثه بامتناعي من الْأكل وَالشرب، وَلَا يسألني عَمَّا جِئْت لَهُ، وَيَأْكُل مطمئنا.
وَأَنا أفكر من ذَلِك، إِذْ فرغ من طَعَامه، وَغسل يَدَيْهِ، واستدعى بالبخور، فتبخر، وَقَامَ إِلَى الصَّلَاة، فصلى الظّهْر صَلَاة حَسَنَة، وَأكْثر من الدُّعَاء والابتهال.
فَلَمَّا انْفَتَلَ من محرابه، أقبل عَليّ، وَقَالَ: مَا أقدمك يَا مَنَارَة؟ فَقلت: أَمر لَك من أَمِير الْمُؤمنِينَ، وأخرجت الْكتاب، فَدَفَعته إِلَيْهِ، ففضه، وقرأه، فَلَمَّا استتم قِرَاءَته دَعَا أَوْلَاده، وحاشيته، فَاجْتمعُوا، فَلم أَشك أَنه يُرِيد أَن يُوقع بِي.
فَلَمَّا تكاملوا، ابْتَدَأَ فَحلف أيمانا غَلِيظَة، فِيهَا الطَّلَاق، وَالْعتاق، وَالْحج، وَالصَّدَََقَة، وَالْوَقْف، وَالْحَبْس، إِن اجْتمع اثْنَان مِنْهُم فِي مَوضِع، وَأَن يتفرقوا، ويدخلوا مَنَازِلهمْ، وَلَا يظْهر مِنْهُم أحد، إِلَى أَن ينْكَشف لَهُ أَمر يعْمل عَلَيْهِ.

الصفحة 38