كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 2)

ثمَّ قَالَ: هَذَا كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُرنِي بالمصير إِلَى بَابه، وَلست أقيم بعد نَظَرِي فِيهِ لَحْظَة وَاحِدَة.
وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ، وَأَوْلَاده: اسْتَوْصُوا بِمن ورائي من الْحرم خيرا، وَمَا بِي حَاجَة أَن يصحبني غُلَام، هَات أقيادك يَا مَنَارَة.
فدعوت بهَا، وَكَانَت فِي سفط، فأحضر حدادا، وَمد سَاقيه، فقيدته، وَأمرت غلماني بِحمْلِهِ حَتَّى حصل فِي الْمحمل، وَركبت فِي الشق الآخر، وسرت من وقتي، وَلم ألق أَمِير الْبَلَد، وَلَا غَيره.
وسرت بِالرجلِ، لَيْسَ مَعَه أحد، إِلَى أَن صرنا بِظَاهِر دمشق، فابتدأ يحدثني بانبساط، حَتَّى انتهينا إِلَى بُسْتَان حسن فِي الغوطة، فَقَالَ: ترى هَذَا؟ فَقلت: نعم.
قَالَ: هُوَ لي، وَفِيه من غرائب الْأَشْجَار كَيْت وَكَيْت، ثمَّ انْتهى إِلَى آخر، فَقَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ انْتهى إِلَى مزارع حسان، وقرى سَرِيَّة، فَأقبل يَقُول: هَذَا لي، ويصف كل شَيْء فِيهَا.
فَاشْتَدَّ غيظي مِنْهُ، فَقلت لَهُ: هَل علمت أَنِّي شَدِيد التَّعَجُّب مِنْك؟ قَالَ: وَلم؟ قلت: أَلَسْت تعلم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أهمه أَمرك، حَتَّى أرسل إِلَيْك من انتزعك من بَين أهلك، وولدك، وَمَالك، وأخرجك عَن جَمِيع حالك، وحيدا، فريدا، مُقَيّدا، لَا تَدْرِي مَا يصير إِلَيْهِ أَمرك، وَلَا كَيفَ تكون، وَأَنت مَعَ هَذَا، فارغ الْقلب، تصف بساتينك وضياعك، هَذَا وَقد رَأَيْتُك، وَقد جِئْت، وَأَنت لَا تعلم فيمَ جِئْت، وَأَنت سَاكن الْقلب، قَلِيل الْفِكر، وَقد كنت عِنْدِي شَيخا عَاقِلا.
فَقَالَ مجيبا لي: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، أَخْطَأت فراستي فِيك يَا مَنَارَة، قدرتك رجلا كَامِل الْعقل، وَأَنَّك مَا حللت من الْخُلَفَاء هَذَا الْمحل، إِلَّا بعد أَن

الصفحة 39